youtube

facebook6

عابدة المؤيد العظم (16)

كاتبة إسلامية تتميز برؤيتها النافذة وصدق كلماتها وبعدها عن التزييف ،حفيدة الشيخ على الطنطاوي رحمه الله من بنته بيان الطنطاوي

نبذة تعريفية عن الكاتبة حفظها الله :-

-بكالوريوس من جامعة "الملك عبد العزيز" جدة، قسم "اللغة العربية" عام 1985 -بكالوريوس شريعة إسلامية من "الأكاديمية الإسلامية المفتوحة" 2008 ---أستاذة مادة "التربية الإسلامية" و"البلاغة" و"النحو" في معهد مكة المكرمة، وفي معهد الصديقة -نشر لهاالمئات من المقالات في مجلات معتبرة مثل "الأسرة" السعودية، و"النور" و"الوعي الإسلامي" و"المجتمع" الكويتية و"الشقائق" و"الحياة"... وفي المجلة الاليكترونية "المتميزة"، وفي بعض الجرائد (مثل ملحق "المدينة" الأسبوعي)... - لها أربعة عشر كتاباً مطبوعاً، وعناوينها: "هكذا ربانا جدي علي الطنطاوي" و"سنة التفاضل: وما فضل الله به النساء على الرجال" و"أنا أو أولادي" و"عبارات خطيرة" و"كيف نتقبل الناس ونتجنب إيذاءهم" و"ولا تسرفوا وبعض مظاهر الإسراف في حياتنا" و"وداعاً للهموم والأحزان" و"لئلا يتمرد أولادنا" و"كيف تديرين بيتك" و"هكذا يفكر الصغار" و"كيف تصنعين رجلاً" و"جدي علي الطنطاوي كما عرفته" و"لك يا بنتي" و"أعراس عصرية بلا مخالفات شرعية"  -شاركت في البرنامج التلفزيوني "حياة إنسان" عن جدها "علي الطنطاوي" وعُرض على قناة "المجد" مراراً. 

ولها برنامج:

1- برنامج تلفزيوني أسوبعي، اسمه "مسائل اجتماعية" على قناة حلب اليوم"

2- وعلى إذاعة "شرق المتوسط"

3- برنامج إذاعي أسوبعي على راديو الكل بعنوان "بيت بيوت" وهو يتناول مشكلات الأسرة والأولاد، والعلاقات الزوجية.

من الأعضاء المؤسسين والفاعلين في "الهيئة السورية للتربية والتعليم"، وشاركت في مؤتمر الإشهار، وفي ورشات العمل. - من العضوات المؤسسات في "حرة" التي تعنى بشؤون المرأة والطفل - عضو في "اتحاد الكتاب الأحرار السوريين"

الأربعاء, 12 تشرين2/نوفمبر 2014 11:19

الإسراف في الهدية

كتبه

وُلِد لي قبل سنوات مولودٌ جديد، فتداعى عدد من النساء، وجئْنَنِي مهنِّئَات مبارِكات، حاملات معهن الهدايا؛ زيادةً في التعبير عن المحبة والمودة؛ فالهدية فيها لفتة لطيفة، ولمسة ظريفة، وهي تؤلِّف القلوب، وتُوَثِّق عُرى الإخوة، والهدية -كما روى البخاري- سنَّةٌ مؤكَّدة محبَّبة: ((تَهَادَوْا تحابُّوا)) وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأخذ الهدية ويُثيب عليها، وكان يدعو إلى قَبولها، ويُرَغِّب فيها، فروى أحمد: ((من جاءه من أخيه معروف -من غير إشراف ولا مسألة- فليقْبَلْهُ، ولا يرُدَّه، فإنما هو رزق ساقه الله إليه)).

إنما الهدية التي أمر بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، والتي حض على قبولها هي الشيء البسيط اليسير، كما روى أحمد والترمذي: ((لو أُهْدِيَ إلَيَّ كُرَاعٌ لقبِلْتُ"، وفي رواية للبخاري: ((ولو أُهْدِيَ إليَّ ذِرَاعٌ أو كُرَاع لقبِلْتُ)) وعن أبي هريرة: ((تَهَادَوْا؛ فإن الهدية تُذْهِبُ وَحَرَ الصدرِ -الحقد- ولا تَحْقِرَنَّ جارةٌ لِجَارَتِها، ولو شِقَّ فِرْسِنِ -حافر- شاةٍ))، وكان يقول كما روى الترمذي: ((ثلاثٌ لاَ تُرَدُّ: الوسائد، والدُّهْنُ -الطِّيبُ- واللَّبَن)) وروي أيضًا: ((من عُرِضَ عليه رَيْحَانٌ فلا يَرُدَّهُ؛ لأنه خفيف الْمَحْمَل طَيِّبُ الريح)) فكانت الهدايا التي يقدمها، والتي يتقبلها مما يتوفر دائمًا كالطِّيب والدُّهْن والثوب، وما شابهها، وهي -كما نلاحظ- أشياءُ ضرورية ومفيدة.

أما أنا فجاءتني يوم تلك المناسبة هدايا غالية وغير متوقَّعة، وقد فوجئت، لَمَّا ذهبْتُ أفتح العُلَب المغلَّفَة، بمحتوياتها الثمينة والفاخرة؛ إذ كانت في إحدى العُلَبِ ثلاث ليرات ذهبية، وكانت الليرات الذهبية في تلك الأيام تزيد قيمتها عن ألف ومئتي ريال، وأعجب منه أن تكون هذه الهدية من امرأة لم أرها في حياتي، فقد كانت هذه هي المرة الأولى التي تزورني فيها، وكانت الأخيرة، فلم أرها من يومها أبدًا!

وكان في علبة أخرى ملابس صغيرة لنوم المولود، وليست للزينة، وقد كُتِب عليها ثَمَنُها، وكان ثلاثمائة وخمسين ريالاً، ثلاثمائة ريال وهي مجرد منامة (أي بيجاما)! وسبب غلائها أنها ماركة فرنسية شهيرة، والغريب أن من أهدتني إياها لم تكتف بها، بل أضافت إليها قطعة أخرى وللنوم -أيضًا- وكان ما كُتِب عليها هو مائتا ريال، وكانت كلتا القطعتين لا تصلح إلا لطفل دون الشهرين من العمر! ولم تكن هذه السيدة (صاحبة الهدية) من معارفي، وإنما كانت صديقة (غير حميمة) لصديقتي!

وكانت في علبة ثالثة تُحفة ثمينة من الكريستال الفاخر الأصلي، وكانت رائعة بحيث إنها لا تتناسب مع طبيعة بيتي البسيط والمتواضع، فلم أدْرِ أين أضعها حتى أوفِّيَها حقها!

وكان في علبة رابعة طقم سفرة صيني من الأنواع الشهيرة النفيسة، التي يتسابق الناس إلى اقتنائها، والتي يتباهون بتقديم الطعام فيها.

كانت هذه بعض الأمثلة، وغيرها كثير، ففي كل علبة كنت أجد مفاجأة أغرب من التي قبلها، فهل تُصَدِّقون أنه قد وصلتني في ذاك اليوم من أربعين سيدة هدايا قيمتها عشرة آلاف ريال؟!

ولكنَّ المثير للاستغراب أكثر أنه لم يكن بينها شيء أحتاجه حقيقةً، فقد كانت كل تلك الهدايا مما لا يتناسب مع متطلبات البيت، أو ميولي، أو ذوقي، أو حتى مقاسي، وكان أغلبها من الكماليات التي لا ضرورة لها البتة، والتي لا يميل إليها أمثالي، ولا يستعملونها، ولا يتعاملون معها!

ولمَّا كانت السُّنَّة أن أثيب على الهدايا بخير منها؛ لِمَا رواه البخاري: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل الهدية، ويُثيبُ عليها"، وفي رواية: "ويثيب ما هو خير منها" وكما جاء في تعريف الهدية: "هي ما يلزم الموهوبَ له أن يُعَوِّضَه"، وكما روى الترمذي: ((من أُعْطِيَ عطاءً فوَجَدَ (أي: سَعةً من المال) فلْيَجْزِ بِهِ)) اضطررت بعدها إلى إنفاق آلاف الريالات حتى أَتَّبِع السُّنَّة وأثيب هؤلاء النسوة جزاءَ ما قدَّمْنَه لي، وحيث إننا لم نكن في سعة دائمًا -كما هو شأن كثير من الناس- فقد كابدنا جهدًا في بعض الأوقات للوفاء بهذا الواجب.

ثم تكررت بعدها عندي المناسبات وعندهن، وتوالت الهدايا عليَّ كما في المرة الأولى، وعَمَدْت إلى ردِّها من جديد، ولعلي أثناء ذلك قد أخطأتُ مع أولئك النسوة، ففعلت مثلهن، وقدمت لهن هدايا لا يحتجْنَها ولا تتناسب مع أذواقهن!

فانظروا كم أنفقَتْ هؤلاء النسوة على ما قدَّمْنَه لي، ثم ما أنفقْتُه أنا لأجْزِيَهُن أجْرَ ما تكلَّفْنَه من أجلي؟ لقد أنفقنا في مرة واحدة -وعلى الأقل- ما يقارب عشرين ألف ريال في أشياءَ كمالِيَّةٍ، لا فائدة حقيقية من ورائها، فكنا وكأننا ألقينا أموالنا هدرًا في مشروع فاشل، فخسرناها كلها وأضعناها، وقد كان هذا كله من أجل مناسبة بسيطة تتكرر في كل أسرة عدة مرات، فكيف بهن لو كانت المناسبة عظيمة وهامة؟!

وقد دفعْتُ وإياهن هذه المبالغ، ونحن من الطبقة الوسطى من الناس، فكيف ستكون الحال لو كنا من كبار الأثرياء؟! ماذا كانت ستُقَدِّم لي النساء وقتها؟ سيارة من الوكالة؟! غرفة نوم؟! وماذا كنت سأُثيبهن أنا على هداياهن؟ وإلى أي رقم كان سيصل المبلغ لو جاءتني المزيد من المهَنِّئات؟!

فتوصلت - من يومها - إلى أن الإسراف -وهو مجاوزة الحد- يكون في كل شيء، حتى في الهدية، وتنبهْتُ إلى أهمية هذا الموضوع، وضرورة الحد منه، بالقول وبالفعل، ورأيت أن أنبِّهَ في هذه المقالة إلى ضرورة الاقتصاد في الهدية، أو على الأقل التوسُّط فيها، ولو كان الطرفان من أرباب الأموال، ومن وجهاء القوم، فالهدية ليست للتعالي والتفاخر، وهي ليست مزادًا علنيًّا فيرفع كل فرد قيمتها في كل مرة زيادةً عن القيمة التي حددها من سبقه في الإهداء.

والهدية ليست بقيمتها المادية؛ فالأشياء المعنوية لا تُقَوَّمُ بالمادة، وإنما هي رمز للمحبة والمودة، وهي دلالة على عِظَم روابط الأخوة والصداقة، وهذه المعاني تقوم بها هدية بسيطة.

وحبذا لو اهتم الْمُهْدي بذوق الْمُهْدَى إليه، فيحاول استنباط ما يمكن أن يُقدِّمه إليه من استقراء سريع لاهتماماته، ومِن تَخَيُّل عاجل لبيته وهندامه، وغيره مما يعبِّر عن شخصية الإنسان وميوله.

كما أن الهدية يكون هدفها أحيانًا مساعدةَ أهل البيت في نفقاتهم الكثيرة، والذَّوْد عنهم بِحمل بعض الأعباء، ولذلك يجب أن تكون شيئًا مفيدًا ضروريًّا؛ أي: كالذي تعارَفَ عليه الناس في بلادنا عند الزواج، فهذا يُقَدِّم للعروسين الفُرن، وذاك الثلاجةَ، وآخرُ المكنسةَ الكهربائية، وهكذا حتى يكفونهما مَؤُونة التجهيز، فتكتمل لوازم البيت الأساسية من الهدايا وحدها، ولكنهم -وللأسف- جعلوا ذلك مقصورًا على هدية الزفاف، فطوبى لمن سَنَّ هذه السُّنة الْحَسَنة، فجعلها في كل هدية.

إن الأموال أعظم من أن تُهْدَر على الكماليات، والناس في فقر وفاقة، يشكون القلة وضيق ذات اليد، ولكنَّ غالب الناس لا يراعون هذه الناحية أبدًا، ولا يفكرون بهذه الطريقة الهادفة البنَّاءة؛ فهم يرون الهدية حِملاً ثقيلاً وواجبًا عظيمًا، يَوَدُّون التخلُّص منه سريعًا، فيشتري أحدهم أي شيء سعره مناسب ومعقول - وإن كان عديم الفائدة - ويقدمه هدية، وهذا فيه سَرَف أيضًا؛ لأن الإسراف لا يشمل القيمة المالية المرتفعة فقط، وإنما يَدخُل تحته إنفاقُ المال -ولو كان قليلاً- على شيء لا يُحْتَاج إليه أبدًا. فمثلاً: لَمَّا وَلَدَت إحدى قريباتي وصَلَتْها إحدى عشرة عُلبة، في كل واحدة منها جهازٌ للمولود، وكانت محتوياتها جميعًا متشابِهَة، وهي مما انقرض، ولم تَعُد تستعمله الأمهات أبدًا، فلم تستفِدْ قريبتي منها، ولم تستطع إهداءها من جديد؛ لأنها مما لا يُنْتَفَعُ به، ولو أن صاحبات تلك الهدايا فكَّرْن قليلاً، لوجدن أنه كان يُمكِنُهن شراءُ هدية أكثر جدوى بالقيمة ذاتها.

ولذا فإنني أنصح كل سيدة أن تتفكر جيدًا قبل شراء أية هدية لمعارفها، فتضع أولاً ميزانية معقولة تتناسب مع دخلها، ومع درجة القرابة التي تجمعها بمن ستُهديها، ثم تتفكر بشخصية تلك المرأة، وبوضعها وحاجاتها، ثم تشتري لها ما يناسبها، فإن عَدِمَت الحيلة وتملَّكَتْها الْحَيرة، فلتَتَّبِعِ السُّنَّة ولْتُقَدِّم ما خف ثمنه، وطاب ريحه من الطيب الرخيص، وليس من العطور الغالية؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم-، يُحِبُّه، ولم يرفضه قط.

Comments ()
الخميس, 04 أيلول/سبتمبر 2014 18:00

أنواع المسؤولية

كتبه

المسؤولية التي نريد من الصغير أن يتقنها شِقَّان:

 منها المادي (أعمال تؤدَّى).

• ومنها المعنوي (تفكير وتخطيط وتحمُّل للنتائج المترتبة).

والاثنتان مرتبطتان بعضهما ببعض، وعلى الطفل أن يتعلم الاثنتين معًا، وقد شرحتُ لك آنفًا كيف تتحقق المسؤولية المادية (العمل)، وسأشرح لك كيف تتحقق المسؤولية المعنوية (التفكير والتخطيط) من خلال شرحي "لأنواع المسؤولية":

1- من أنواع المسؤولية "الاستقلال"، وتشمل بعض النواحي فقط، والصغير يتدرب على الاستقلال شيئًا فشيئًا، وينبغي (وبعد التوجيهات الكثيرة) أن يتعلم الصغار كيف يديرون الوقت وحدهم، وكيف يفكرون ويخططون لدراستهم، وكيف ينظمون المهام والأعمال المطلوبة منهم بلا مساعدة، فيقال للصغير: "معك ساعة وبعدها سنتوجه للبحر"، ثم نتركه لنرى قدراته ومقدار استيعابه، وينبغي أن يلبس ما يناسب البحر، ويُحضر "ألعاب الرمل"، ويضعها في كيس ولا ينسى منها شيئًا، ويكون جاهزًا في الوقت المحدد.

الصغير يفكر في المنافع العاجلة مما يُوقعه في الخطأ، فهو - مثلاً - يريد النزهة، ولكنه لا يريد العمل من أجلها، وسيتضايق ويطلب منك تحضير مستلزمات الرحلة، ولا تردِّي عليه! فإنه لن ينضج حتى يتعلم ضبط مشاعره خلال قيامه بالواجبات؛ فلا يسخط ولا يعاند، ويؤدِّي ما عليه على الوجه المطلوب، و"الاستقلال" هو أن تفعل ما هو صحيح بملء إرادتك، لا أن تفعل ما يحلو لك.

وتربية "الاستقلال" تُوسع الأفق؛ فيخطط الصغير أولاً ليومه، ثم للعطلة الصيفية، وماذا يتمنَّى أن يكون، و"الاستقلال" يفرز التفكير الجاد بأهمية النجاح وضرورة امتهان الحرفة المناسبة، و"الاستقلال" يجعل الصغير معتمدًا على نفسه، ومن خلالها يكتشف مواهبه وقدراته، مما يساعده على الارتقاء بنفسه كلما كبِر، وينبغي على الإنسان أن يكتشف مواهبه وحده ويُنمِّيها، ويقطع الرجاء من مساعدة الجار والصديق، ويعتمد على نفسه ويعمل ويثابر؛ ليصل لمبتغاه، وليس الرجل من يقول: "كان أبي"، وإنما الرجل من يقول: "هأنذا".

2- ومن "الرجولة" والمسؤولية القدرة على اتخاذ القرار الصحيح، ويبدأ ذلك من الصغر حين يسألك ولدك: "بمَ ألعب الآن، ألعب في الغرفة بالمكعبات؟ أم ألعب الكرة في الحديقة؟"، أرشديه للتفكير السليم، وساعديه على اتخاذ القرار الصحيح، فإذا كان الوقت عصرًا والجو مقبولاً؛ فقولي له: "الحديقة أجمل في النهار وأنشط، والشمس تساعد على تكوين الكالسيوم في العظام، والرياضة مطلوبة في النهار، فابدأ بها ودَعِ اللعبة الأخرى (التي تُمارَس جلوسًا في الغرفة) للمساء"، وإذا كان الوقت ظهرًا والجو حارًّا؛ فقولي له: "الشمس حارقة وضارَّة؛ فلا تلعب الآن بالخارج؛ لئلا تُصاب بضربة شمس، بل العب الآن في الغرفة، وبعد ساعتين أو ثلاث تنكسر حدة الشمس؛ فتخرج إلى الحديقة".

وهكذا يدرك الطفل الإيجابيات والسلبيات، ويتعلم المفاضلة السليمة بين الأشياء، في محاولة للوصول إلى أحسن قرار، وإذا اتخذ ولدك قرارًا جيدًا أثني على حسن محاكمته وجودة تفكيره، وأبدي رضاك عن قراره: "فلا شيء يؤدي إلى النجاح كالنجاح".

3- ومن المسؤولية تنفيذ القرار على أكمل وجه، وينفذه بنفسه وبإتقان، وبكامل طاقاته، وبالتالي فإن الغشَّ يتنافى مع المسؤولية؛ فلا يصح أن يُعهَد إليه بأمر فيُوكله إلى غيره، ويدعي قيامه به.

ومن اتخذ القرار وجب عليه "تحمُّل عواقبه"، وأيضًا "تصحيح ما قد ينجم عنه من مشكلات"، فدعي ابنك يتخذ بعض القرارات (كأن يختار هدية العيد خاصته، أو المكان الذي ستتنزه فيه العائلة يوم الجمعة)، ثم يتحمل نتيجة قراره؛ فلا يتذمر إن تبين فساد ذوقه في اختيار الهدية، ولا يستاء إن كانت النزهة مملة، بل يحاول التغلُّب على العقبات وإيجاد الحلول أو التأقلم مع الظروف.

4- ومن المسؤولية انتباه الصبي لكل ما يدور حوله، ثم اتخاذ الإجراء اللازم؛ فقد يقع أخوه الصغير في مأزِق ويبكي طالبًا العون (فيُربَّى على الإسراع إليه)، ومنها دفع ما يؤذي (فإذا رأى كوبًا على حافة الطاولة، أبعده حتى لا ينكسر ويتطاير الزجاج)، وإذا دقَّ الجرس وأبوه خارج الدار، بادر هو لفتح الباب (ولم يترك أمه وحدها مع الطارق بلا مَحْرَم).

وهذه المسؤولية تجعله ينتبه للأصوات الغريبة؛ فقد تكون لصًّا، وينتبه لأي رائحة غريبة؛ فقد تكون إنذارًا بحريق، ويركض باحثًا عن مصدرها؛ خوفًا من كارثة، وتجعله يحرص على تفقُّد إخوته الصغار كل قليل حين يكون معهم في نزهة خلوية بعيدًا عن أعين الوالدين؛ حتى لا يضيعوا أو يصيبهم مكروه، والمسؤولية شعور داخلي كالضمير، يتشكَّل وينمو حتى إذا اكتمل أخذ على يد المرء ليجعله يتصرَّف بسرعة كافية وبحكمة مدروسة.

5- ومن المسؤولية تقدير قيمة الأشياء المادية والمعنوية، والحفاظ على الأغراض الشخصية والثمينة خاصة، وتذكُّر مكان حفظها؛ فيضع المال في مكان أمين، ويخصص مكانًا معينًا لبطاقة النادي، ويخاف على كمرته من الضياع، وعلى أشيائه الأخرى من التلف، ولا ينسى أغراضه في المدرسة، فهذه المظاهر عنوان النضوج ودليل على الوعي.

ومنه عدم هدْر الأموال؛ فلا يترك التلفزيون يعمل ويذهب للنوم، ويغلق صنابير المياه جيدًا بعد استعمالها.

6- ومن المسؤولية القدرة على البيع والشراء، وعلى ابنك أن يتعلم من أين تُشترى الأشياء وبكم؛ فلكل صنف دكانه الخاص أو قسم بعينه يباع فيه، وعلِّميه كيف يتم انتقاء البضائع (سواء المأكولة أو غيرها)؛ أيْ: يتقن فن البيع والشراء؛ فلا يستغفله الباعة، ولا يغشونه، فأرسليه إلى الدكان ليشتري دفاتره وأدواته المدرسية، وخذيه معك إلى البقالة وعلميه كيف ينتقي الخضار والفاكهة، وليتعلم طريقة المساومة، وإذا وجدتِ في البضاعة عيبًا أرسليه ليستبدلها، وعلِّميه كيف يجادل البائع (إذا رفض إرجاعها).

وهذا يعلِّمه كيف ينفق المال بلا إسراف ولا تقتير، وما عالَ من اقتصد.

7- ومن المسؤولية القدرةُ على تصليح الأشياء، وليس من المعقول استدعاء الفنيين لكل عارض بسيط، وأحيانًا تداهمنا بعض المشكلات ليلاً والعمال المختصون نائمون، فماذا نفعل لو انفلتت ماسورة الحمام وانتشر الماء في أنحاء البيت؟ هل نترك البيت غارقًا حتى الصباح؟ وماذا لو كان اليوم التالي يوم عطلة؟ إذًا لوقعنا في كارثة كبيرة.

وبالتالي ينبغي على الرجل أن يكون قادرًا على حل مشكلات بيته (على الأقل ريثما يتوفَّر من يصلحها)، فإذا احترق السلك وانفصم التيار، يربط أسلاك الكهرباء المقطوعة ليعيد التيار إلى المكيف أو الثلاجة، ويوقف تدفق الماء إذا انفجرت إحدى المواسير، ويفضل أن يصلح الكرسي المكسور، ويلصق التحفة المشروخة، فهذه مهارة يُحمَد عليها الرجل، وتسجل في ميزان حسناته الزوجية.

8- ومن المسؤولية تعلُّم فن "القيادة"، وكيف يكون قائدًا ناجحًا، وابنك الصغير سيكبر وسيصبح رجلاً قوامًا في بيته، فعيِّنيه قائدًا في بعض المناسبات (في رحلة أو في المدرسة أو عند زيارة الجدة)، واجعليه مسؤولاً عن إخوته في مرات قليلة (وليس دائمًا)، وانظري كيف يعمل، وقوِّميه واهمسي في أذنه ببعض الملاحظات.

وكلما كبِر اطلبي منه "في مواقف أكثر" أن يكون قائدًا مسؤولاً، وعلِّميه كيف يوجه الأوامر فيكون هادئًا ولطيفًا ومصرًّا على قوله، وكيف يُعدِّل سلوك المشاغبين وينصحهم، فيعيدهم برفق ولين إلى الطاعة، والقائد يستشير الرعية ويأخذ رغباتهم بعين الاعتبار ولا يتفرد برأيه؛ فذلك أنجح له، وأيضًا يراعي قدراتهم وظروفَهم.

ويمكنه التدرُّب على ذلك من خلال اللعب، فيكون هو الأستاذ وإخوته التلاميذ، ومن خلال ذلك يتعلَّم القيادة، وحين يتجاوز الثانية عشرة أَوْكلي إليه التخطيط للنزهة العائلية، وأن يكون أميركم فيها، فيعد كل شيء ويرتبه، ويقترح ساعة الانطلاق ومكان النزهة ونوع الطعام.

وإياك أن تنسي هذه القاعدة: "أنت تدربين ابنك على القيادة والمسؤولية في هذه المرحلة، ولا تجعليه قائدًا بشكل دائم مهما كانت الأسباب".

• • • •

أيتها الأمهات:

المسؤولية ليست عملاً يؤديه الصبي وينتهي الأمر؛ وإنما هي حس يجعل الصبي يعيد علبة الحليب إلى البرَّاد كلما أخرجها ليشرب منها (خوفًا من فسادها)، وهي حِسٌّ يجعله يتأكد (ساعة خروجه) من وجود مفتاح البيت في جيبه قبل أن يغلق باب الدار الخارجي، وفي أن يتأكد تمامًا من إغلاق باب المنزل الرئيسي قبل مغادرته.

والمسؤولية تكمن في قيام الصغير وحده بمعرفة ثلاثة عناصر:

1- عمل (يعرف واجباته وفروضه، ويدرك ضرورة تأديتها)

2- زمن (يتذكر كل عمل في وقته، ويقدِّر الوقت اللازم لإنجازه).

3- أداء (دراسة طبيعة العمل والقيام به بإخلاص وإتقان).

فيفرِّق الصغير بين اللهو والعمل الواجب، ويتذكَّر الواجب في وقته، ويقوم به بجميع جوانبه وبالإتقان المطلوب، مثلاً عليه الاستيقاظ من أجل المدرسة؛ فيضبط الساعة بحيث يكفيه الوقت ليدخل الحمام ويلبس ويصل إلى المدرسة في الوقت المناسب، وحين ترن الساعة ينهض من فراشه ويبدأ الاستعداد، بل المسؤولية تبدأ من اليوم السابق؛ فينام في وقت مبكر؛ ليتسنى له الاستيقاظ على صوت المنبه، وهذه هي المسؤولية!

وتحميل الأبناء مسؤولية القيام بالعمل يُبعِد الكسلَ والخمول عنهم، وهو سبيلهم إلى النشاط والإنجاز والفخر والنجاح؛ فأهِّلي ابنك لمجابهة الحياة.




Comments ()
الخميس, 04 أيلول/سبتمبر 2014 17:58

حليه بصفات الرجولة الضرورية

كتبه

تهتمُّ أكثر الأمهات بدعْك الصغار وخلطهم بالناس؛ ليتعرَّفوا على طبيعة الحياة وقسوتها، وليتعرفوا على أصناف البشر، ويدركوا طرُقَ تعاملهم واختلاف نمَط تفكيرهم، ويتفهَّموا كيفية التعايش معهم، ويتعلموا أساليب الدفاع عن أنفسهم، وفنون المحاورة والمداورة، هذا رأي المربِّين، وأنا لي رأي آخر:

دَعْكُ الصبي في الحياة، وتدريبه على "مكابدة المشقَّات اليومية"، و"التعامل مع الناس على اختلافهم": يكون في كل عمر، ويمكن إرجاؤه إلى حين، والدنيا تُقدِّم الخبرات والتجارِب مجانًا لأولادنا، فيتعلمون وحدهم فنون الحياة، ويدركون قوانينها، ويعرفون كيف يتعاملون مع الآخرين وكيف يتقون شرورهم، ويتنوَّرون كل يوم (في المدرسة، وأثناء الطريق إليها، وخلال الشراء)، أما القيم والأخلاق - والقيم والأخلاق بالذات - إما تزرع في الطفل من الصغر، أو ينتهي أمرها ويتعذَّر زرعها.

فإذا زُرعت القيم "غدا الصغير رجلاً صالحًا"، وإلا نشأ الصبي بلا رادعٍ ولا قوانين تضبطه، هذا ما خبَرْتُه بالتجرِبة والاستقراء، ولكن وقبل الدخول في التفاصيل سأعترف بشيء مهم:

تربية الصغار ليست "قواعدَ نحويَّة" أو "معادلات رياضية"، فنضع لها "قواعد" أو "قوانين" ونمشي عليها فنحصل على نتائجَ موحَّدةٍ ومؤكَّدة؛ ذلك لأننا نتعامل مع بشر لهم مشاعرُ وأحاسيس، ولهم رغباتٌ وأحلام.

و"التربية ليست (عملاً سحريًّا)"، ولا يمكن للتربية تبديل طباع أبنائنا السيِّئة وقلْبُها كليًّا إلى صفات حسنة؛ فكل طفل يُولَد بصفات وراثية تمشي في جيناته ويصعب تغييرها، وتبرز هنا قضيةٌ اختلف عليها الناس من قديم:

أيهما الأقوى أثرًا: "الجينات والصفات الوراثية"، أم "البيئة والصفات الكسبية"؟

وإني كأم - ومربِّية (لخمسة ذكور) وقارئة مهتمة - سوف أدَّعي أني وصلت إلى "حل اللغز"؛ حيث وجدت الصفات المثالية تصنَّف إلى فئات، ولكل فئة حكمُها:

1- "قيم رفيعة":

مثل: ("العدل" وترك الظلم، "الصدق" واجتناب الكذب، "الرحمة" ونبذ القسوة)، وهذه الصفات يتعلَّمها الصغير من البيئة المحيطة، ومن السهل أن يتفهَّمها ويلتزم بها؛ وذلك للأسباب الآتية:

 لأنها تتناسب مع الفطرة الخيِّرة (التي جُبل الإنسان السويُّ على حبِّها).

 لأنها "قيم إنسانية"؛ ولذا تحترمها كل الأمم على اختلاف دياناتها وثقافاتها - ولو نظريًّا - وتُعلي من شأنها وتطلبها من أفرادها.

 القيم "لبُّ الدين"، ومطلوبة من كل فرد، وهي واجب وفرض على كل مسلم ولو بحدها الأدنى؛ (لأن الله أمر بها، ويأثم المسلم على تركها).

ونخلص: "القيم الرفيعة" صفات مكتسبة، ويجب على كل والد تربيتها في طفله.

2- "الآداب الإسلامية":

وهي أنواع منوعة؛ ومنها الآداب الاجتماعية؛ مثل: (خفض الصوت، واحترام الكبير، والاستئذان)، ومنها السنن المحبذة: (آداب الطعام، وعدم رمي الأوساخ، والاستنجاء، والاهتمام بالمظهر)، ومنها الواجب على كل مسلم: (الالتزام بالقوانين، وطاعة أولي الأمر).

و"الآداب" هي أكثر ما يمكننا التحكم به وتربيته في أولادنا، وهي أهم واجباتنا، وأكثر ما يثبت في أذهانهم ويحافظون عليه حتى مماتهم.

ونخلص: "الآداب الإسلامية" صفات مكتسبة، ويجب تدريب الصغير عليها.

3- صفات وراثية "تولَد مع الشخص وتلتصق به بالجينات":

مثل: (الكرم والبخل، الأنانية والإيثار، الجرأة والرهبة)، فهذه الصفات الجِبلِّيَّة (إذا ولدت) لا يمكننا تغييرها إلا بنسبة قليلة جدًّا، ولاحظي كيف يتفاوت الصغار بصفاتهم الخلقية منذ الولادة، فترين الهادئ الصابر والعدواني الثائر، ويبقون عليها إذا كبِروا؛ فيتسامح الأول مهما حدث له، ويحتج الثاني ويعترض ويدافع عن حقه، وهكذا، و"التربية" تهذِّب هذا وذاك قليلاً، على أنها لا تصل إلى الحلِّ الوسط أبدًا.

ونخلص: "الصفات الوراثية" يصعب تغييرها وقد يتعذَّر، وعلينا المحاولة حسب جهدنا البشري، و"الوصول بالطفل إلى أحسن صورة".

4- وإذا وُلد الصغير محايدًا في بعض الصفات، ففي هذه الحال ممكن أن "يتعلم الصفة من الوسط المحيط" ويتقمَّصها تمامًا وتصبح صفة ملازمة له، فمثلاً: لو ولد الطفل ولم يبدُ عليه (بخل ولا كرم)، وأهله كرماء يجلبون الهدايا ويُكرِمون الضِّيفان، اقتدى بهم وصار الكرم من سجاياه المكتسبة بالعشرة والتربية.

 

والخلاصة: القيم والأخلاق والعادات الحسنة تصبح سجية وطبعًا أصيلاً وتلصق بالصغير مدى الحياة (إذا أُحسن زرعها)، ومن هنا تأتي "أهمية التربية" ويظهر دورها الفاعل، وتبين وظيفتها الأساسية في تغيير الأبناء وتهذيبهم.

 

فابدئي بتربية وتنمية هذه الصفات في مرحلة مبكرة، والأخلاق يجب أن تربى في البنين والبنات؛ لأنها من صلب الدِّين ومن مقومات الإيمان، على أن بعض الأخلاق والصفات يجب توفرها في شخصية الذَّكر، وإلا لم يكن "رجلاً"!

وهذه الصفات بعضها يحتاج لتربية وتوجيه، وبعضها الآخر يأتي كنتيجة ومحصلة، مثلاً: الرجل "مثقف"، والرجل "حكيم، واسع الأفق، وقادر على حل المشكلات"، ويكفي أن أثقف ابني فأحصل على الشق الآخر (الحكمة وسعة الأفق) مجانًا وبلا جهد.

ولن أتطرق لكل الصفات الرفيعة العالية؛ وإنما سأكتفي بمجموعة "الصفات المهمة والضرورية" التي تجعل الرجل رجلاً بحق، وتزيده رجولة ورفعة واحترامًا وهيبة في عيون الناس، مثل: الثبات على الحق، وتحمل المسؤولية، والشجاعة.

وسأسرد كيفية "تربيتها و"تنميتها" عند الصغير، في مقالات منفصلة؛ لأنها طويلة.




Comments ()
الثلاثاء, 19 آب/أغسطس 2014 17:34

أنت بنت وهو صبي

كتبه

“أمي، أريد أن أذهب مع أبي الى السوق”، فتجيب الأم: “لا”، فتُحاجِج البنتُ ذات الخمسة الأعوام الأم بقولها: “ولكنَّ أخي الصغير ذاهب معه!”، فتعلق الأم: “هو يستطيع الذهاب؛ لأنه صبيٌّ، أما أنتِ فلا؛ لأنك بنت”!

“أمي، أخي يرفض أن يشاركني الركض واللهو معه في الحديقة، أرجوك قولي له أن يفعل”، الأم: “لا، لن أقول له؛ لأنه لا يُمكنك مشاركته اللعب؛ فأنت بنت”!

“أمي، أريد أن أسبَحَ في ماء البحر مع أخي”، فتقول الأم: “لا يُمكنك السباحة أمام الناس”. البنت الصغيرة: “ولكنَّ أخي يسبح أمام الناس!”، الأم: “هو يُمكنه ذلك لأنه صبي، أما أنت فلا؛ لأنك بنت”!

“أبي، أريد أن تَشتري لي سيارة صغيرةً كما اشتريتِ لأخي لألعب بها فهو لا يُعيرني سيارته”، فيجيبها الأب: “ماذا، سيارة لك؟! لا يُمكن ذلك؛ فأنت بنت! العَبي بالدُّمى، واتركي السيارات لأخيك”!

“أبي، أريد أن أُشارك رفيقاتي في رحلة نظَّمتها المدرسة إلى مصنَعِ العطور”، فيرد الأب بلا مبالاة: “كم مرة قلتُ لك: إن البنات لا يذهبْنَ في رحلات مدرسية”، “ولكن أخي ذهب في رحلة قبل أيام قليلة!” فيرد الأب: “هو صبي بإمكانه الذهاب، وأنت بنت”!

هذه المشاهد الصغيرة تحدث يوميًّا في بيوت كثيرة، فكلَّما همَّت البنت بأمر مُنعَت منه لأنها بنت، في حين يتمتَّع أخوها بكل شيء، ويُسمَح له أن يفعل ما يشاء، وقد يكون أخوها ذاك أصغر منها بسنوات، أو قريبًا من سنِّها، فماذا تتوقَّعون أثر هذه العبارة على البنت وهي تسمعها منذ مولدها وحتى موتها، وتَسمعها وقد اقترنت بالحرمان والمنع، وتسمعها وقد اقترنت بالتفريق المُجحِف في المعاملة؟!

لا بدَّ أن تَنتبه البنت إلى أشياء لم تكن تخطر ببالها فتفكر وتقارن وتُوازِن، وقد تَخرُج مِن هذا بعقدة أو عقد نفسية لا علاج لها، ثم تحملها معها لتؤذي بها زوجها أو لتُسبِّب بها الشقاء لبناتها، أو تحذو حذو من سبَقها من النساء فتَمقُت هذه البنت نفسَها، وتَمقُت أنوثَتها لأنها تسبَّبت في حرمانها من مَلذَّاتٍ كثيرة يتمتَّع بها أخوها، وقد يؤدِّي هذا المقتُ إلى انطِوائها أو فشلها في الحياة أو سلبيَّتِها وعدم فعاليتها، وقد تؤدي هذه العبارة إلى تمرُّدها والتِحاقها بإحدى الجمعيات التي تُدافع – كما يزعمونَ – عن حقوق المرأة.

♦ ♦ ♦ ♦

إن هذه العبارة لا تجوز شرعًا، ولا يصحُّ قولُها أبدًا؛ لأنها مخالفة لأبسط الحقوق الإنسانية الإسلامية: “العدل”، فالعدل واجب على الآباء والأمهات تجاه أولادهم بنصوص مُحكَمة واضحة، ولا يجوز أبدًا التفريقُ بين الجنسَين في المعاملة المعنوية والمادية: ((مَن كانت له أنثى لم يَئدْها ولم يُهِنها ولم يُؤثِر ولده عليها، أدخله الله تعالى الجنة))([2])، ولحديث: “رُوي أن رجلاً كان عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاء ابنٌ له فقبَّلَه وأجلسه على فخِذِه، وجاءت ابنة له فأجلسها بين يديه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا سوَّيتَ بينهما؟))([3])، ولحديث: ((اتقوا الله واعدلوا في أولادكم))([4])، ولحديث: ((اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم))([5])، ولحديث: ((سوِّ بينهم)) وعلَّل ذلك بقوله: ((أيسرُّكَ أن يَستووا في برِّك؟)) قال: نعم، قال: ((فسوِّ بينهم))، ولحديث: ((ساووا بين أولادكم في العطية، فلو كنتُ مُفضِّلاً أحدًا على أحد لفضَّلتُ النساء))([6]).

♦ ♦ ♦ ♦

وقد يَعتقِد بعض الآباء أنهم بترديد هذه العبارة “أنت بنتٌ، وهو صبي” يعدُّون أولادهم من الجنسين للمُستقبَل، فيعدُّون البنتَ لدورها والصبي لدوره، وهذا خطأ؛ لأن الإعداد لا يكون بالإحباط، والتحضير للأمر لا يكون بالتنفير منه، فالعبارة تلك (مع ما يتبعها من تفرقة وظلم) تُسبِّب اليأس والاستِسلام وتورث الكره والبغض لكل ما يتعلق بالأنوثة.

وإنما يكون الإعداد بالاهتِمام بالبنت وتعويضها بالبديل المناسِب لها (هذا لو افترضنا جدلاً أنه تجوز التفرقة بينها وبين أخيها) فيقال لها: “لأنك بنت سوف نخصُّكِ بمَزايا لم نقدمها لأخيك ولن نقدمها له لأنه صبي! فلأنك بنتٌ سوف نُؤثِرك بملابس أجمل وأغلى من ملابسه، ولأنك بنت سنَشتري لك حليًّا فاخرةً، ولأنك بنتٌ سوف تَخرُجين مع أمِّك للعب مع بنات في مثل سنك في الحدائق والمُنتزهات، وسوف تصحبين والدتك إلى الزيارات والحفلات المُمتعة، ولأنك بنت سوف نهتمُّ بتعليمك كل ما تحتاجينه من علوم ومهارات لتكوني زوجة ناجحة وأمًّا رائعة، فعليك يتوقَّف المستقبل وبك يتحدَّد صلاح الجيل من فساده”، وبذلك نَصرِف البنت عن الشعور بالنقص إلى الشعور بالزهو، ونعدُّها لدورها دون أن نُقلِّل من قيمتها، ونعرفها أنها لا تتماثَل مع أخيها ولكنها تُكمله وتُساويه في الإنسانية، ونؤكد لها أن المجتمع والبشرية كلها لا يمكنها الاستغناء عن الخدمات التي تُقدِّمها النساء بحالٍ من الأحوال.

♦ ♦ ♦ ♦

أيها الناس، إن الفروق بين الصغار من الجنسَين ليسَت مُتفاوتة إلى تلك الدرجة التي يتصوَّرُها الآباء والأمهات ثم يُلقِّنونها لأبنائهم وبناتهم، والأحكامُ الشرعية الخاصة بالصغار من الجنسين واحدة إلا فروقًا بسيطة جدًّا؛ فالاثنان لا عورة لهما، والاثنان لا يُحاسَبان قبل البلوغ، والاثنان لا تُقبَل شهادتهما، والاثنان يَحتاجان لوصي، ولولي أمر، وغيره.

♦ ♦ ♦ ♦

فهذه العبارة “أنتِ بنت، وهو صبي” خطيرة لأنكم تُلقِّنون النشء مفاهيم مغلوطة، وقناعات مرفوضة، وعادات وتقاليد فاسدة حاربها الإسلام منذ قرون وأبدلَنا بها خيرًا منها، فلماذا تريدون إحياء هذه الجاهلية؟


[1] الصبي: من لدن يولد إلى أن يفطم، والصبي: الغلام؛ لسان العرب (14: 450).

[2] أبو داود.

[3] البزار (ورجاله ثقات).

[4] متفق عليه.

[5] أصحاب السنن.

[6] رواه سعيد في سننه.

Comments ()
الثلاثاء, 19 آب/أغسطس 2014 16:25

يجب أن تكون الأول دائماً!

كتبه

 في كل بيت -تقريباً- طلاب وطالبات في مراحل دراسية مختلفة، منهم من جعل التفوق هدفاً وغاية؛ لأن من ورائه آباء وأمهات لا يقبلون بغير الأولية، ولا يرضون إلا بأعلى الدرجات.

من أجل ذلك يبدأ هؤلاء الطلاب المتفوقون عامهم بالتوتر، وينهونه بالتوتر وهم مترقبون حذرون، قد وضعوا عبارة والديهم: “يجب أن تكون الأول دائماً” نصب أعينهم، فعملوا لها ودأبوا عليها وانكبوا على الكتب -على الغالب- من أجلها، فحفظوا المناهج دون فهم، ودرسوا المعلومات دون تعمق لأن هدفهم وغايتهم أن يتفوقوا وأن يكونوا الأوائل، فكانت هذه هي النتيجة الأولى الخطيرة لهذه العبارة: “الدراسة من أجل التفوق لا من أجل الفهم والاستزادة من العلم”.

*   *   *

وبتأثير هذه العبارة: “يجب أن تكون الأول دائماً” صار هدف بعض الطلاب أن يكون الأول على صفه أو على مدرسته، فهو يهتم جداً بلقب ((الأول)) ويسعى إليه قدر استطاعته، لكنه لا يأبه كثيراً أن يصل إلى أعلى مستوى ممكن ولا أن يحصل على أعلى مجموع؛ إنما يعتمد على مقارنة نفسه بطلاب سنته الدراسية ثم يجتهد بالقدر الذي يؤهله للتفوق عليهم؛ لأن عبارة والديه: “يجب أن تكون الأول دائماً” تحتم عليه أن يسبق هؤلاء دون غيرهم فهذا هو مجال التنافس وهذه هي حلبة التفوق، فإن تفوق عليهم -ولو بمجموع قليل وجهد يسير- كان نجيباً ورائعاً، وقد فاز طالب بلقب ((الأول)) مع أن مجموع درجاته ما تجاوز التسعين بالمئة! ففرح فرحاً عظيماً، وحزن آخر حزناً شديداً لأن زملاءه تفوقوا عليه وقد تجاوز تقديره النهائي ستاً وتسعين من المئة بثمانية أعشار!

فبتأثير هذه العبارة تغيرت المفاهيم وتبدلت الحقائق لدى بعض الطلاب، فكانت هذه النتيجة الثانية الخطيرة: “الرضا والفرح بالمجموع القليل إن أدى إلى لقب الأول. والحزن والهم من الدرجات العالية إن لم تؤدِّ إلى لقب ((الأول))!

*   *   *

وقد شجعت هذه العبارة سلوكاً منافياً للإسلام هو الغش، فصار الطلاب لا يجدون ضيراً في فتح الكتب أثناء الامتحانات، ولا يتأخرون عن النظر إلى ورقة غيرهم، ولا يتأسفون على سرقة جهد غيرهم من المجتهدين، ثم يتفاخرون بالنتائج المزيفة التي حصلوا عليها!

*   *   *

 وأدت هذ العبارة: “يجب أن تكون الأول دائماً” إلى التنافس الشديد بين الطلاب الذين يسعون للأولية، فكلهم يسعى إلى مرتبة ((الأول)) ولن ينالها على الأغلب إلا واحد منهم، وهنا يكمن الخطر الحقيقي في هذه العبارة؛ إذ جعلت التنافس بين مجموعة من الطلاب على مرتبة واحدة لا غير، فأصبح اهتمام كل طالب متفوق منصباً على إزاحة الباقين للتفوق عليهم، الأمر الذي جعل المنافسة غير شريفة وغير إنسانية، حيث أفسدت المنافسة المحمومة العلاقات الاجتماعية بين الطلاب وأوجدت الحقد والحسد والكيد والكراهية بينهم. وإليكم ما قالته لي أم لواحد من هؤلاء المتفوقين في هذا المقام: “إن ولدي يقضي أيام الامتحان كلها بالدعاء على منافسه على ((الأولية)) بالمرض الأليم الذي يقعده عن الدرس، أو بحادث خطير يصرفه عن حضور الامتحان، أو بالموت المحقق حتى يتخلص من منافسه إلى الأبد!”.

وقد ورد هذا في كتب علم النفس: “التنافس بطبيعته يحمل في ثناياه قدراً كبيراً من الكراهية المدمرة، وبهذا يكون عامل هدم وتحطيم للعلاقات الإنسانية الطيبة في الصف أو المدرسة بأسرها… الواقع أن التنافس هو في جوهره صراع يستهدف الانتصار والتفوق على الغير، ويتضمن إحباط نجاح الغير وجهوده؛ أي يتضمن تعارض المصالح. وكثيراً ما يرى المتنافس في منافسيه أعداء له، أو على الأقل حجر عثرة في سبيل تقدمه، وقد يصبح التنافس محقق الضرر وباعثاً على الحسد والبغضاء وثبوط الهمة في أحوال معينة…”[1].

*   *   *

ومن خطورة هذه العبارة “يجب أن تكون الأول” أيضاً أنها ذهبت بروح التعاون والمشاركة والاهتمام بالغير والذي يجب أن يتوفر في كل مكان حتى في المدرسة بين الطلاب، وألغت إغاثة الملهوف، وتفريج الكرب وغيرها مما أمر به الإسلام؛ فنرى ((الأول)) -على الأغلب- مستأثراً بكتبه ودفاتره لا يُطلع عليها أحداً، ولا يساعد زملاءه على فهم ما صعب عليهم، ولا يشرح لهم ما استشكل خوفاً من تفوقهم عليه.

ولذلك فليس غريباً أن يكون بعض الأوائل غير محبوبين؛ لأنهم متكبرون ومتعالون على إخوتهم من الطلاب.

*   *   *

فلنمتنع -إذن- عن ترديد هذه العبارة “يجب أن تكون الأول دائماً” ولنستبدل بها عبارة أخرى: “يجب أن تفهم المنهج جيداً. ويجب أن يكون مجموع علاماتك في أعلى مستوى ممكن”، وبذلك يتحول الأمر من تنافس بين الطلاب بعضهم مع بعض إلى تنافس بين الطالب وبين المجموع النهائي، فتقل الأحقاد بين الطالب وإخوته الطلبة، ويصبح الصراع بين كل طالب وبين الدرجة العليا، فيسعى الطالب إلى المعالي بدل أن يسعى إلى إزاحة إخوته الطلاب، ويكون التحدي بهذا المسلك أبعد عن المشاحنة والبغضاء والكراهية. ثم لنجتهد -بعد ذلك كله- في حث أبنائنا الطلاب على حب الخير للآخرين بالفرح لما يفرحهم وبالسرور لما يسرهم، فيتمنون لغيرهم ((الأولية)) كما يتمنونها لأنفسهم، ويهنئون من تفوق عليهم بغبطة وبهجة لا بحسد وحقد.

*   *   *

وأخيراً لنعلم أولادنا أن يبذلوا غاية جهدهم فيجتهدوا ويدرسوا ويراجعوا، ثم يتركوا الأمر لله فلا يحزنوا ولا يبتئسوا إن فاتتهم ((الأولية)) لأن الأمر كله بيد الله. والله هو الذي ييسر الخير والدرجات لكل طالب بحسب علمه وحكمته، وبحسب نية الطالب، وبحسب عمله، ثم بمقدار توكله ودعائه.

أيها الآباء والأمهات (آباء وأمهات الطلاب المتفوقين)… نهنئكم على تفوق أولادكم، وإنه لشيء رائع أن تكونوا آباء للمتفوقين، لكن الأروع منه أن يتفوق أولادكم في علمهم، وفي علاقاتهم الاجتماعية مع إخوتهم الطلاب بكسب ثقتهم ومحبتهم واحترامهم، وفي دينهم وخلقهم الإسلامي الرفيع فيتمنوا الخير لغيرهم كما يتمنونه لأنفسهم، ويذروا ما يؤدي إلى التحاسد والتباغض؛ وإن هذا لهو التفوق الحقيقي، وإن هذه لهي أعلى الدرجات.

Comments ()
الثلاثاء, 19 آب/أغسطس 2014 16:22

الرجال لا يبكون!

كتبه

 

“الرجال لا يبكون”: عبارة تُلقَّن للصبية مذ يكونون صغاراً، فيعاب عليهم البكاء عند المرض والألم، ويمنعون من البكاء عند الحزن والأسى. وفي كل موقف وفي كل مناسبة وفي كل يوم تكرر هذه الكلمات على مسامع الأبناء: “الرجال لا يبكون”، وقد تناقلت بعض الفئات هذه العبارة “الرجال لا يبكون” جيلاً عن جيل، وكابراً عن كابر، حتى صارت تغلب على رجالهم الجلافة والغلظة؛ فهم قساة القلوب لا يعرفون حقيقة الرحمة ولا يقيمون وزناً للمشاعر؛ فقد يعقون ويقطعون الأرحام لأنهم لا يهتمون بالعواطف الأبوية والأخوية، وقد يظلمون ثم لا يشعرون بتأنيب الضمير، وقد يفسقون ثم لا يتأثرون بالمواعظ حق التأثر، وغيره.

وهذه بعض النتائج السيئة التي حصلنا عليها من ترديد هذه العبارة الخطيرة.

*   *   *

 وإن الذي جعل الناس يستهجنون البكاء ويحرّمونه على ذكورهم أنهم اعتبروه -على إطلاقه- ضعفاً فمنعونه مطلقاً، فهل تعلمون أن للبكاء أسباباً متفاوتة وأن من الخطأ أن ندرجها جميعاً في سلّة واحدة فنحكم عليها حكماً واحداً؟

فالبكاء قد يكون لضعف أو لعجز واستسلام، ومثل هذا البكاء نرفضه -نحن المسلمين- ولا نقبله حتى لبناتنا فضلاً عن أولادنا الذكور، فالإسلام يفضل المؤمن القوي على الضعيف، والمؤمن الإيجابي في سلوكه على المؤمن السلبي.

*   *   *

 ولكن للبكاء أسباباً أخرى حبذها الإسلام وحث الناس عليها، وكان النبي r يبكي لأجلها! وكان لبكائه المحبذ المشروع هذا أسباب عدة ينبغي أن نعرفها لنتمثلها:

- فتارة هو الشفقة والمحبة والرحمة: “… فأتاهم رسول الله r… فيجد عائشة متسترة بباب دار أبي بكر تبكي بكاء حزيناً… فدمعت عينا رسول الله r “[1]، وأيضاً: “أرسلت بنت النبي r إليه أن ابناً لي قُبض (يحتضر) فأتنا… فرفع إلى رسول الله r الصبي ونفسه تتقعقع (تتحرك وتضطرب بصوت)… ففاضت عيناه، فقال سعد: يا رسول الله، ما هذا؟ فقال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء”[2]، وأيضاً: “أخذ النبي r بيد عبد الرحمن بن عوف فانطلق به إلى ابنه إبراهيم، فوجده يجود بنفسه، فأخذه النبي r في حجره فبكى، فقال له عبد الرحمن: أتبكي؟ أولم تكن نهيتنا عن البكاء؟ فقال: لا، ولكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين، صوت عند مصيبة -خمش وجوه وشق جيوب- ورنة شيطان”[3]، وبكى r لمّا شاهد إحدى بناته ونفسها تفيض.

- وتارة هو الشوق والحزن على الفراق: “أتى رسول الله r قبر أمه بالأبواء في ألف مقنّع، فبكى، وأبكى من حوله”[4].

“شهدنا بنتاً لرسول الله r تدفن ورسول الله r جالس على القبر. فرأيت عينيه تدمعان…”[5]، ولما مات ابنه إبراهيم، دمعت عيناه وبكى رحمة له، وقال: “تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون”[6].

وبكى لما مات عثمان بن مظعون: “عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله r قبّل عثمان بن مظعون، وهو ميت، وهو يبكي، أو قالت: عيناه تذرفان”[7].

- وتارة من باب الخشوع وخشية الله: “عن عبد الله بن الشِّخّير العامري رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله r وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء”[8].

وبكى لما قرأ عليه ابن مسعود القرآن: “قال لي رسول الله r: اقرأ علي القرآن، فقلت: يا رسول الله، أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، قال: فقرأت عليه سورة النساء، حتى جئت إلى هذه الآية: {فكيفَ إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً}[9] قال: حسبك الآن، فالتفتّ إليه فإذا عيناه تذرفان”[10].

وبكى لما كسفت الشمس: “انكسفت الشمس على عهد النبي r فقام إلى الصلاة… فجعل ينفخ في آخر سجوده من الركعة الثانية ويبكي…”[11].

*   *   *

فكيف تمنعون الذكور من البكاء وقد بكى النبي r؟ وكيف تستهجنون البكاء والنبي r قال: “هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرُّحَماء”؟ وكيف ترفضون البكاء وقد جعله النبي r واحداً من أسباب النجاة من النار: “لا يلج النار رجل بكى من خشية الله”[12]؟

وبهذا تبدو الخطورة الحقيقية لهذه العبارة! إذ كيف تلقّنون الصبية مخالفة نبيهم جهاراً، وقد أمرهم وإيانا بالبكاء أمراً، وفي عدة مواضع:

(1) خشيةً لله وخوفاً من عقابه “وابْكِ على خطيئتك”[13].

(2) وعند قراءة القرآن: “فإذا قرأتموه فابكوا”[14].

(3) وعند المرور بديار المعذَّبين: “لا تدخلوا على هؤلاء المعذَّبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم يصيبكم ما أصابهم”[15].

*   *   *

فيا أيها الناس، انتبهوا من هذه العبارة الخطيرة: “الرجال لا يبكون”! وكفوا عن ترديدها وتلقينها الصغار، فقد بكى النبي r وهو رجل، بل هو أفضل الرجال!

وقد بكى وهو النبي، وبكى وهو المشرِّع، وبكى وهو القدوة. فكان لا يحبس مشاعره، ولا يكبت عواطفه، بل يبكي مما يُبكى منه، ويتأثر لما ينبغي التأثر له. ولكن لم يكن بكاء النبي r بشهيق ورفع صوت، بل كانت تدمع عيناه حتى تَهْمُلا، ويُسمَع لصدره أزيز (كما وصفه ابن القيّم في “زاد المعاد”). إنما كان يبكي ولا يجد في ذلك حرجاً وكان يبكي ولا يجد بأساً، وكان يبكي ويُبكي معه صحابته، وقد بكى صحابته من بعده!؟

فأي شيء -بعد ذلك- تقولون في بكاء الرجال؟

*   *   *



[1] الطبقات الكبرى ج8 ص78.

[2] البخاري ومسلم.

[3] الترمذي.

[4] من زيادة رزين على حديث أبي داود والنسائي.

[5] البخاري.

[6] البخاري.

[7] الترمذي وأبو داوود.

[8] أبو داوود والترمذي.

[9] النساء: 41.

[10] البخاري ومسلم.

[11] النسائي.

[12] الترمذي.

[13] الترمذي.

[14] الترمذي.

[15] البخاري.

Comments ()
الثلاثاء, 19 آب/أغسطس 2014 16:18

ما الذي اختلف في هذا الجيل؟

كتبه

 

 أسمع الناس تشكو من تبدل هذا الجيل عن الأجيال السابقة في تمرده وعصيانه وصعوبة قياده، وتعزو ذلك لذكائه الخارق ووعيه وتفوقه… هذا ما يقولونه وليس الوضع كما يصفون.

 

راقبوا هذا الجيل ولاحظوا المظاهر الغالبة على أكثر أفراده:

 

1- القيم ملغية، الاحترام مفقود، الدين رقيق والتقوى قليلة، الحياء مات، الوقاحة ظاهرة عامة، وتفشت الأنانية وانتفى الاهتمام بالآخرين، وساد الاستهتار والتسيب واندثرت القناعة، وأكثر الأولاد يطلبون من أهاليهم حياة رغيدة فيها سبل الراحة كلها غير مبالين بالحالة المادية للأسرة، ثم لا يهتمون بمساعدة والديهم أو الوقوف إلى جوارهم في الأزمات.

 

والاهتمام المبالغ به بالدراسة جعل الأبناء منزوين عن الناس، فلا يتعلمون فنون الحياة ولا يعرفون علم السلوك، فيفتقدون بعض اللباقة والذوق حين يواجهون الآخرين ومنهم والديهم.

 

وتتأذى الأمهات مما ذكرته آنفاً ويعانين الأمرّين، وبالمقابل يعتقدن في أعماقهن أن هذا الجيل عالي الجودة وظاهر التفوق والتميز فيفخرن به؛ ويرين التمرد “شخصية قوية”، والمشاكسة “قوة”، والعند “ثبات على المبدأ” والوقاحة “رجولة”، ومجاراة الآباء “ذكاء”، والتسكع بالشوارع “خبرة وحنكة”… وأنا أخالفهم فيما يرونه ولا أوافق على المسميات الجديدة، وأُرجع تصرفات الأبناء لمعناها الأصلي (وقاحة ومشاكسة وعناد…)، وهذه أخلاق غير إسلامية وينبغي معالجتها والقضاء عليها.

 

الأولاد اليوم -ولا مؤاخذة- بلا قيم راسخة ولا تهذيب ظاهر، وهذا هو أكثر وأخطر ما تغير في هذا الجيل!

 

2- وأرى الجيل مستعجلاً على كل آت ولا ينتظر الوقت الملائم؛ فالبنت الصغيرة تتفنن في الزينة والتجمل وتضع مكياجاً كاملاً وتلبس ملابس الكبار، وتتصرف كالسيدات المتزوجات وتقاطع كلام أمها -في مجالس النساء- لتدلي برأيها.

 

والصغير يقتني موبايلاً خاصاً وكمبيوتراً محمولاً ويسوق سيارة والده. ويأمر وينهى ويعطي ويمنع، ويسن القوانين لأبويه.

 

ثم لا يستعجل الأبناءُ على حمل المسؤولية، ونرى الإهمال يضرب أطنابه، وانعدمت الشهامة، وتأخر سن النضج… وأصبح التفوق اليوم من نصيب البنات، وأكثر الشباب يتعثرون في الدراسة ويتأخر تكسبهم وتطول مدة إعالة آبائهم لهم.

 

3- ولا أنكر ملامح الذكاء والوعي البادية في الجيل ولكنها بلا نضج ولا خبرة، وينقص الأبناء العمق والحكمة ويتصرفون بلا عقل ولا تفكير ويتسرعون، فتكثر أخطاؤهم وسقطاتهم، وهم يحسبون أنهم فاقوا من قبلهم بالحنكة وحسن التصرف.

 

وحصول الأبناء على الشهادات العالية -زاد الطين بلة- وأوهمهم بأنهم باتوا متميزين متفردين بهذه الوريقات! فنراهم يتفلسفون ويتكبرون على ذوي الاختصاص والخبرة.

 

أولادنا اليوم كالحاسوب ذي القدرات الكبيرة، لكنه بلا برامج تشغيل جيدة!

 

4- ولا أنكر أن أبناءنا يعرفون أكثر مما كنا نعرفه (ونحن في أعمارهم) فنراهم يتقنون اللغة الأجنبية، ويعرفون كل شيء عن التكنولوجيا والإصدارات الحديثة في أي مجال، ولا تفوتهم الثقافة في عالم الرياضة والسيارات.

 

ولكنهم مقصرون في معرفة لغتهم العربية، ولا يعرفون -ما يجب أن يعرفوه- من معلومات عن الحرام والحلال وطرق العبادة الصحيحة، أو هموم العالم الإسلامي، بل إنهم لا يعرفون أي شيء خارج كتب الدراسة أو خارج دائرة تخصصهم، وهذا النقص غير مقبول، فبعض المعلومات الأخرى مهمة جداً، ويجب على كل فرد الإلمام بها.

 

5- أبناء هذا الجيل لا يثقون بأهاليهم ولا يقدرونهم كما ينبغي، وفوقها كف الآباء يد الأعمام وسائر الأقرباء عن التدخل في تربية أبنائهم أو إلقاء النصائح عليهم، وانعدم دور الجد والجدة وأصبح سكن كل عائلة منفصلاً عن الآخرى وقلت الزيارات، وبذلك فقدنا كبير العائلة ورأسها وحكيمها، فمن للأبناء؟ أين قدوتهم؟ ولمن يلجؤون ومن يستشيرون؟

 

بقوا بلا قدوة ولا مرجع وهم غر سريعو التأثر، ونفوسهم ضعيفة أمام الفتن والمغريات ويخافون مخالفة أقرانهم، فتركوا الخير وساروا على خطا الشر والسوء، وسَفَّ فكرهم وسلوكهم.

 

6- وهَمُّ هذا الجيل الأكبر “الشهادة” و”العمل”، ثم “تحصيل المال”، لماذا؟ ليتمتعوا وينفقوا ويعيشوا حياة الأغنياء، هذا هدفهم وهذا أقصى أمانيهم، وقليل منهم من فكر بتقديم شيء جديد للبشرية، أو بذل خدمة إنسانية، أو أي إبداع مفيد.

 

ولباس بعض الأبناء وأشكالهم لا تبشر بالخير وتعطي انطباعاً غير مستحب؛ يلبسون الشفّاف والضيق والألوان الفاقعة والشباب يطيلون شعورهم ويلبسون الحلي.

 

هذا ما تغير… وكلها تغيرات نحو الأسوأ، فأين أنتم أيها المربون، أين كنتم حتى وصل الحال إلى هذه الدرجة المخزية والمحزنة؟ ألم تلاحظوا بوادر التغير؟ لماذا لم تعالجوها؟ ألم يكن الأبناء في يوم ما صغاراً يمكن قيادهم وتوجيههم؟؟؟

 

أيتها الأم!

أنجبت طفلاً؟! عليك إذن القيام بواجباتك نحوه! وأهمها تربيته على الدين والخلق، وحمايته من الفساد.

 

فما تظنين دورك في حياة أبنائك؟ الحمل والرضاع والغسيل ثم التدريس؟ هل يقتصر دورك على هذا؟! بئست الوظيفة إذن! ولأجل هذا استحقر الناس عملية التربية، وحثوا المرأة على ترك البيت والخروج إلى العمل!

 

ليس من المروءة جلوسك بالبيت لتقومي بمهمات الخادمة ثم بمهمة المَدْرسة، هذا دور ثانوي وإن دورك أسمى من هذا وأعظم شأناً، إنه من أقيم الأدوار في هذه الحياة الدنيا فأنت صانعة الإنسان، ولا يستغنى عنك أبداً: “في التربية والتوجيه، وفي إصلاح الخلل، وفي منع الولد من الفساد والإفساد…”، وبمقدار بَذْلِك وتفانيك ينصلح المجتمع ويتقدم. فلماذا تهملين هذا الدور؟ وأنت الوحيدة القادرة على تغيير الأفكار وزرع القيم وتهذيب المجتمع والرقي بأفراده.

 

وإنما جعل الله للطفل حق “الحضانة” ليكون في رعاية الكبير العاقل ليوجهه ويعلمه، ووضع الله التحديات والمثبطات والفساد ليختبر صبر المربي وقدرته على تجاوز الصعاب، وهنا تظهر قدراتك ومواهبك أيتها الأم فكثيرات نجحن في الدراسة والتدريس والعمل وجمعن الأموال وحِزْن الشهرة، وقل من نجحت في تربية طفل عالي الدين والخلق أو طفل موهوب أو مميز، فاقبلي التحدي وأظهري إبداعاتك في تطبيع هذا الصغير ليصبح رجلاً متديناً عاقلاً منتجاً.

 

***

 

ستقولين: “لستُ أنا السبب في تبدل الجيل، وسائل الإعلام والفضائيات والنت والعولمة… هو ما أفسد أولادنا وأخرجهم عن السيطرة. ونحن الأمهات نشعر بالعجز أمام هذه التحديات، ولا يمكننا التصرف”.

 

هذه حجة كل الأمهات، ولدي رد عليه! فتابعي معي.

 

Comments ()
السبت, 09 آب/أغسطس 2014 18:34

اغتنمي الفرصة

كتبه

تتضجر أغلب الأمهات -إن لم يكن كلهن- من أولادهن الصغار، ويرون فيهم مصدراً للإزعاج والصخب. وتعتبر الأمهات الطموحات (إلى الشهادات العالية وإلى العمل) أن أولادهن هم السبب في تأخر الإنجاز بل هم العقبة الأساسية أمام أحلامهن.

وقد يكون هذا صحيحاً فالأولاد يحتاجون كل العناية والرعاية ويستهلكون الوقت كله، ويستنفذون الجهد، ويخرجون الحليم -أحياناً- عن طوره… ولكن للصغار -أيضاً- بهجة لا تعادلها بهجة فحركاتهم  اللطيفة تفرح القلب، وكلماتهم وعباراتهم الرقيقة تضحك الحزين، وأسئلتهم واستفساراتهم تثير الإعجاب والتقدير، وضحكهم ومرحهم وصخبهم يقطع رتابة الحياة ويدخل عليها السرور والحبور… ومن المهم أن ندرك أهمية هذه المرحلة فأولادنا لا يبقون صغاراً وهم يكبرون، وإنهم ليكبرون بأسرع مما نتخيل، فيفقدون هذا التميز، ونخسر نحن تلك البهجة، ثم يغادرون بيتنا يوماً للدراسة أو للزواج، ولا يرجعون بعدها إلى دورنا إلا ضيوفاً.

فلم لا نستمتع بتلك المرحلة الرائعة قدر وسعنا لأنها لن تعود أبداً؟ ولم لا نستمتع وقد رزقنا الله إياهم ليهبوا لنا السعادة لا ليكونوا سبباً في تعاستنا؟

*   *   *

لقد كتبت إحدى الأمهات مقالة رائعة في هذا الموضوع وبثت فيها عاطفة الأم الفريدة مع الكلمات البليغة العاقلة، أقتطع منها هذه الفقرات: “عندما نقول نحن الأهل لولدنا: (سوف تكبر). فإننا نعني أنه سيكبر في يوم من أيام المستقبل البعيد جداً ولا نعني اليوم. والحقيقة الحلوة المرة هي أن هذا اليوم  يأتي أبكر مما نتوقع”. وتتابع هذه الأم التي تركها ولداها كلاهما: “اليوم حين أرى الأمهات في المتاجر يتصرفن وكأن التبضع مع أولادهن أمر سيستمر إلى الأبد، أرغب في أن أبوح لهن بهذا السر. وذات يوم بُعيد رحيل ولدي الثاني شاهدت طفلين يتشاجران في متجر ووالدتهما تصرخ فيهما: (كفا عن هذا الشجار). وكنت أدرك مدى سطحية الشجار بين الأخوة، ولكنني لو اندفعت إلى تلك المرأة الغريبة وقلت لها: (تمتعي بهذه المرحلة من حياتك فهي لن تدوم). لاعتقدت بأني مجنونة”.

وتصف وضعها بعد رحيلهما فتقول: “أما المنزل فبدا مهجوراً بلا أولاد والسكون يلف الغرف حيث غابت الحيوية الصبيانية التي ملأتها فيما مضى… لكن هذين الشابين الطويلي القامة ليسا هما اللذين أفتقدهما، بل إني أفتقد الصبيين الصغيرين العزيزين المقيمين فقط في كتاب الصور وفي الذاكرة”[1].

إن أولادنا هم -في الواقع- ضيوف في بيتنا، وإنهم لراحلون يوماً، ومغادرون إلى غير رجعة، وقد يعود بعضهم إلينا بعد أن ينهي دراسته، وقد يسكن بجوارنا، وقد يكثر من زيارتنا مع عائلته، ولكنه سيأتينا كبيراً راشداً، وسيأتينا مشغول الفكر أو مستعجل الانصراف، وستنتفي حاجته إلينا وهذا من أكثر ما يؤلم الأمهات والآباء كما ألاحظ.

إن فراق واستقلال أولادنا عنا أمر واقع ولا سبيل لتجاوزه، وإنما يقلل من تأثيره علينا -نحن الأمهات- ويخفف من شدة وطأته أن نجعل علاقتنا بأولادنا قوية ومتينة، وأن نبنيها على الحب والثقة، وعلينا أن نكرم وفادة أبنائنا ونحسن إليهم قد استطاعتنا فهم من أحق الناس بإحساننا ودعائنا، فنكظم غيظنا، ونكبت غضبنا، ونربيهم ونوجههم بالحب والحنان (مع الحزم عند الضرورة)، ولنحملهم أجمل الذكريات لحياتهم معنا، ولنشعرهم بأعظم الامتنان للبيت الذي حضنهم.

إن الأولاد هم زينة الحياة الدنيا، وقد نادى زكريا ربه أن لا يذره فرداً، وكان النبي على كثرة أعبائه لا يبخل على أحفاده بوقته فيلاعبهم ويراقبهم ويوجههم فيسر بهم ويسرون به.

فاغتنمي الفرصة أيتها الأم؛ ولا تضيعي الوقت بالصراخ في وجوه أولادك، وتوجيه اللوم إليهم، وندب ما تلاقينه منهم، والتأفف من عبثهم. ولا تؤثري نفسك ومشاغلك عنهم، بل تمتعي بأبنائك وهم في بيتك ومتعيهم معك، وكلما كنت أرفق بهم كانوا أكثر براً ووفاء لك.

Comments ()

انتشرت كلمة "العرس الإسلامي" بين الملتزمين من سِنين، وأصبحت الدعواتُ إلى الأعراس تُصدَّر بعبارة: "عرسُنا إسلاميٌّ"، ويفتخرون بأنهم هجَروا الأعراس التقليدية، وباتوا يقيمون أعراسًا بلا مخالفات شرعية.

 

فما الفرق بين الاثنين "العرس الإسلامي" و"العرس غير الإسلامي" في عُرْفِهم؟

 

لو بحثنا ودققنا لوجدنا ما يلي:

"أنهم استبدلوا بالأغاني الأناشيدَ وبالآلاتِ الدُّفوفَ"، فأصبحت أعراسُهم إسلامية مائة بالمائة!

 

وانتهى الموضوع عندهم على ذلك، ثم لم يتغيَّر أي شيء آخر في أعراسِهم عمَّا عهِدناه وعرَفناه في أعراسِ غيرهم (ممن يقيمون برأيهم أعراسًا غير إسلامية)!

 

وبناءً عليه إني لأتساءل:

ما هذه البدعة التي انتشرت في الناس وسمَّوها "العرس الإسلامي"، وما عيب أعراسنا من قبلُ؟ ألسنا مسلمين؟ أليست أعراسُنا محتشمةً فلا محرَّمات فيها ولا شراب؟

 

بل إني ألح في السؤال وأقول:

"وأين الأَسْلمة في الأعراس التي يسمُّونها "أعراسًا إسلامية"، وهي تعِجُّ بأعرافٍ غير أعرافنا وطقوس غير طقوسنا؟".

 

راقبوا معي وفكِّروا مليًّا تجدوا أن الطقوس التي تُقامُ في كل الأعراس الإسلامية مستوردةٌ بالكامل من الأجانب وأهل الكتاب وربما من الكفار؛ فمن البدلة البيضاء الثمينة، والطَّرْحَة المُزَرْكشة الغالية، وباقة الأزهار التي تحملها العروس، إلى الكيفية التي تتأبَّط بها عروسَها ذا البِزَّة الفاخرة، إلى مشيهما الهُوَينى، والورود ترمى عليهما، إلى رفعه الغطاء عن وجهها، وإلى الخاتم الذي يخلعه من يدِها اليمنى ليصبح في اليسرى، إلى الكوبِ الذي يشربانِ منه معًا وأمام الناس!! إلى قالب الحلوى ذي الطبقات، وكيف يضعانِ أيديَهما فوق بعضهما ويقطعانه معًا، ثم يُطعِمُها وتُطعِمُه، إلى "البوفيه" والطعام الشهي والمنوَّع، والرقص والغناء، وأمور أخرى كثيرة تعرفونها جميعًا، وتتكرَّر في كل عرس بنفس الطريقة وبنفس الترتيب، وكلما زاد الأجانب شيئًا على أعراسِهم تعلَّمناه منهم وطبَّقناه، فهل هذا من الإسلام؟ وهل ورد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو كان على عهد الصحابة والتابعين؟!

 

أيها المسلمون، إن ما نعمَله في أعراسِنا ليس منا ولا نعرفه في شرعِنا، والذي ورد في ديننا ما يلي:

يُعلَن عن النكاح، وتُزيَّن العروس بما تيسر، وتقام وليمةٌ للعرس بأقلِّ التكاليف - ولو بشاة - تُذبَح وتُطبَخ ويجتمِعُ عليها الناس، ويُضرَبُ بالدُّفوفِ، وتجلسُ العروس بحضرة المدعوَّاتِ وقد تكون في خدمتهم! والوليمةُ تكون على الغداءِ، بدليل استحباب الفطر للصائم (ليأكل منها)، وينتهي كلُّ ذلك باكرًا، وينام الناس بعد العشاء، هكذا كانت الأعراس قديمًا، ولكن الدنيا تبدَّلت وتغيرت.

والنتيجة:

"أعراسنا - رغم كل شيء - جيِّدة ومقبولة، ولكنها ليست إسلاميةً بالمعنى المراد في هذه العبارة"، فما الذي ينبغي أن يتغيَّر لتُصبِح أعراسُنا بحقٍّ إسلاميةً؟ تبدأ أسلمةُ العرس من لحظة اختيار الزمان والمكان.

 

أما الزمان:

فينبغي أن تُراعَى فيه مواعيدُ الصلوات اليومية ومصالح الناس، فلا يُحبَّذُ السهر من أجل حفلة عرس، فتفوتنا سنة النوم باكرًا، وقد يفوتنا معها فرض صلاة الصبح (بسبب النوم المتأخِّر)، وقد تُؤثِّر (قلة النوم) على نشاطنا وجودة أدائنا في أعمال اليوم التالي، وعلى مهنِنا المدفوعة الأجر، فنخسر بعض حسناتنا.

 

والمسلم يلتزم بالقوانين العامة التي وضعها اللهُ للناس، والله جعل الليل لباسًا والنهار معاشًا، فينبغي إذًا أن يبدأ العرس باكرًا وينتهي باكرًا، ويستحب أن تصلى العشاء في نهاية الثلث الأول من الليل، فلا ينبغي إذًا تبكيرُها عن العرس، ولا ينبغي أيضًا الانشغال بالعرس وتأخيرها عن وقتها المستحب، وحين تؤدى صلاة العشاء يصبح الكلام مكروهًا (إلا فيما يرضي الله)، ويستحب النومُ بعدها.

 

أما المكان:

فالمسلم لا يبذَخُ ولا يبعثِرُ ماله على الأشياء الفانية، ويقتصد في عيشه، "ما عال مَن اقتصد"، خاصة في هذا الزمان الذي قُدِر فيه الرزق، وغَلَتِ الأسعار، وكثر الفقراء والمُعْوِزين، والمُقبِل على الزواج يكون بحاجةٍ إلى مصاريفَ كثيرةٍ، فينبغي إذًا أن يكون أجرُ المكان (المختار لإقامة للحفل) معقولاً، وما الضَّير أن يكون العرسُ في حديقة الدار أو على السطح؟ لقد عشنا قديمًا هكذا وكنا سعداء، نقيم أعراسنا في بيوتنا، وتمر بخير وسلام.

 

فالصَّالاتُ أصبحت غالية جدًّا، ورغم غلائها الفاحش تُؤجَّر بلا طعامٍ ولا تجهيزات، وتحتاج للتجميل ولترتيب مكان جلوس العروس، ولتزيين الطاولات وتزويدها بوجبة خفيفة، مما يضاعف الكلفة ويزيد الحِمْل، وفوقها يخرج أكثر الناس ساخطين لبُعْد المكان، أو لرداءة الطعام، أو لأسباب أخرى.

 

فاتقوا الله أيها الناس، وأخصُّ الأغنياء، فهؤلاء يُغالُون مع أن لديهم البديلَ في بيوتهم الكبيرة، وخدمِهم وحشمهم، (فهم الأولى بأن يرخِّصوا الصالات بالتَّرك)، والأغنياء هم القدوة والناس يأتمرون بأمرهم ويسيرون خلفهم، أما مَن ليسوا بأغنياء، فلن يتقبَّلوا البَدْء بالتغيير؛ لشعورهم بالنقص، وسيَسْتَحُون من المبادرة؛ لأنها ستنسب لقلة ذات يدِهم، ولن تعتبر قوة في الحق، وبداية للإصلاح.

 

فليت الأغنياء يتمرَّدون على أسعار الصَّالات، ويبتدعِون طريقةً جديدة للاحتفال وبأسعارٍ معقولة، فيتبعهم الناس وتصبح الأعراس - بلا بذخٍ - إسلامية بحق، وأقرب لما يُرضِي الله.

 

والأسلمة تكون في اختيار المدعوات:

والمسلم يكون متوازنًا عادلاً، ومتبعًا للسنة الشريفة، فينبغي ألاَّ يُدْعَى إلى العرس الأغنياءُ، ويُستثنَى من الدعوة الفقراء والمساكين من الجيران والأصدقاء.

 

والعرسُ فرصةٌ للقاء الأحبَّة وذوي القُربَى، وتنمية أواصر المحبة بينهم، ولكن ولغلاءِ الأسعار وضيقِ المكان تُستثنَى بعضُ المقرَّبات (أو بناتهن وكَنَّاتهنَّ)، ويُدعَى بعضُهن الآخر، الأمر الذي يسبِّب المشكلات، وقد يُنمي الأحقاد ويُؤجِّج المشاعر السلبية بين الأقرباء، فينبغي دعوةُ سائر الأهل وذوي الأرحام، والإصرار على حضورهن جميعًا.

 

ومن السنة: الحضور وقَبول الدعوة، ومن اللائق والمستحبِّ أن تعتذرَ المتخلِّفة، ولكنهم لا يعتذرون ولا يبالون.

 

والأسلمة تكون في المساهمة في صلات الأرحام وتنمية الودِّ بين الناس:

الناس اليوم في شُغُلٍ، والمُلهِيات كثيرةٌ، فلا يرون بعضُهم بعضًا إلا لمامًا، والعرسُ فرصةٌ طيِّبة لجمعِ النساء، وإعادة حبل الوُدِّ فيما بينهن، والعرس فرصةٌ للاسترخاءِ ولقاءِ الصديقات بعد طول انقطاع؛ ولذلك سأضيف شيئًا مهمًّا جدًّا (من أجل أسلمة الأعراس)، وهو "وجوب تخفيض أصوات الأناشيد التي تصدَحُ في الصالة!"؛ لأنها تمنعُ الناس من السلام والكلام.

 

وقد تعترِضون على هذا، ولكن أضحى العرسُ من الفرصِ القليلة التي تُتاحُ لنا (في هذه الحياة) لنلتقيَ بأخواتِنا ونسعدَ بصحبتِهنَّ، و"الأصوات العالية" لا تدَعُ مجالاً للتحبُّب وإذكاء الودِّ بيننا وبينهن، وتمنعُنا من الاستعلام عن أخبارهن، وتحرِمُنا من الاطمئنان عن ظروفهن وأحوالهن.

 

هذا عدا عن أن الأصوات العالية تؤذي السمع وتضرُّه، وتُسبِّب الصداع، فلا بد إذًا من تخفيضِها لتتم الأسلمة!

والأسلمة تكون برفض المظاهر غير اللائقة أو المثيرة للمشاعر:

إذ ترقص بعض الفتيات مثنى مثنى بطريقةٍ غير لائقة ألبتةَ، وتقومانِ بحركات توحي بأنهما شابٌّ وفتاة يتغنَّجان لبعضِهما، وأنا أعتقدُ أن الرقص بهذه الطريقة حرامٌ، وينبغي أن يكون الرقص بحركات خفيفة مهذَّبة وليس فيها ابتذال.

 

ولو استُبدِل بالرقصِ الدَّبْكَة لكان أحلى وأبهى، ولو شكَّلت مجموعةٌ من الفتيات ما يُشبِه الفرقة، ودُرْنَ بين النساء في الحفلِ يضرِبنَ بالدُّفِّ ويُنشِدن بعض الأهازيجِ بصوتٍ رخيم، لكان شيئًا لطيفًا.

 

العروس لا يدخلُ على النساء في الأعراس الإسلامية، لكنهم قد ينقلون بثًّا حيًّا (على الشاشات الكبيرة) لمراسيم لقاء العروسين، وشربهما من كوب واحد، وكيف يضع اللُّقمة في فمِها، ثم يضع يدَه في يدِها، ولا يكاد يرفع نظرَه عنها (وقد يخطر في باله أن يُقبِّلها، أو يُعانِقَها ويرقص معها)، مما يُثِيرُ مشاعر الفتيات البالغات، ويُؤذِي أحاسيس مَن كتب الله عليهن العنوسة.

 

 والأسلمة ترفض هذه الحركات، وتُلزِمنا بمراعاة المشاعر، وإخفاء ما يكون بين الزوجين.

 

 ولكي يكون العُرس إسلاميًّا ينبغي أن تسير البرامج حسب الخطة المقررة.

 

والملاحظ أنه لا يتم الالتزام بالساعة المحددة لبداية العرس، (رغم طبعها على بطاقات الدعوة والتأكيد عليها)، وهذا الخطأ يكون من الطرفين؛ أي من المدعوَّات ومن صاحبات الدعوة، أما الضيفات، فيتأخَّرن عن عمدٍ؛ لأنهن جرَّبن الحضور باكرًا في أعراس سابقة، فلم يجدن أحدًا قد حضر! فتعلمن أن الدعوة إن كانت في التاسعة حضرن في الحادية عشرة، وإن كانت في العاشرة وصلن في الثانية عشرة (أقول حقًّا).

 

وأما صاحبات الدعوة، فيتأخَّرن لخطئهن في تقدير الأوقات، ويتباطأن في الخروج لإنجاز مهامِّهن، ولا يحسبن لزحام الشوارع حقَّه، ولا يضعن (زمن أمان) في تقديراتِهن للوقت اللازم لإجراءات ذلك اليوم المزدحم، (مع أن المُعوِّقات كثيرة، وقد يحدُث أي شيء، وقد ينسين غرضًا ذا أهمية)، فيتأخرن فوق تأخرهن، وقد يصلن إلى الحفل بعد المدعوَّات.

 

ومهما كان، وعلى كل الأحوال، تتأخَّرُ العروس بالنزولِ إلى مكان الحفل؛ إذ جَرَتِ العادةُ بأن تنزل في الآخر، وبعد اكتمال المدعوَّات، خوفًا من ذهاب بهائها وبهجتها، وبالتالي تجلس العروس وحيدةً في غرفة منزوية، وتبقى محبوسة ساعة أو ساعتين حتى يكتمل النِّصاب وتمتلئ القاعة!

 

وبذلك تُعاقَب العروسُ بالسجن الانفرادي في يومٍ سعدِها، وتُعاقَب معها المدعوَّات النظاميات اللاتي حضرن في الموعد، ويطول انتظارهن، وقد يضطررن للانصراف، فلا يرين العروس ولا يأكلن من طعام الوليمة، (وكثيرًا ما حدث هذا).

 

 وظهرت بدعة جديدة تتمثَّل في ضرورة إحضار مُصوِّرة محترفة لالتقاط سبعين صورةً للعروسين بطرقٍ فنية متأنية، والناس في القاعة ينتظرون! الأمر الذي يزيد في تأخر العروس، هذا عدا ما فيها من المخالفات، فكثير من الصور فيها خصوصية وحميميَّة، فينبغي ألا تلتقط وتخلَّد ليراها الجميع، وإنما تبقى مخفية بين الزوجين حين يختليان معًا.

 

 وأعجبُ ما يحدث في الأعراس "انتهاء حفل الرجال في وقت مبكِّر جدًّا عن حفل النساء"، وبهذا جَرَتِ العادة؛ فتضطرُّ المرأة لترك العرس ولَمَّا يبدأ! أو تبقى لتعودَ وحدَها (أو مع السائق) في وقت متأخر، وهذا لا يليق، أو يضطر زوجها لانتظارها ساعة، أو يذهب ويعود ثانية فيضيع وقته وتتعطَّل مصالحه، فلماذا نوقعهما في الحرج؟

 

إنه وبقليل من التنسيق والتخطيط، يمكن تجاوز ذلك المشكل، فكان من الأسلمة ومن السلوك الواجب مراعاته: "وجوب إنهاء الحفلين معًا"، رفعًا للحرج، ومراعاة لظروف الناس.

 

 يوم العرس ضائعٌ على جميع المشارِكات به، وخالٍ من الإنجاز؛ فهو يوم استنفارٍ لكل مدعوَّة؛ تقضيه في التجمُّل والتزين واختيار اللباس والحُلِي، وأهل العرسِ قد يكون الحق في صفِّهن، فاليوم يومهن، أما المدعوَّات فعلامَ؟! وكثيراتٌ يتزيَّنَّ لدعوةِ العرس وكأنه يوم عرسهن، ويُبالِغن في كل شيء، ولا مانع من إظهار الزينة والحرص على المظهر الأنيق، ولكن التجمل أصبح سباقًا محمومًا وتنافسًا غير مقبول.

 

وأكثر الأعراس تبدأ فعليًّا بعد العاشرة، والعرس له طقوسٌ طويلة تحتاجُ لخمس ساعاتٍ (من انتظار تجمُّع الناس، ثم قدوم العروس والزَّفَّة، ثم الرقص والاحتفال، ثم العَشاء، والطريق يأخذ وقتًا في الذَّهاب والإياب)، فلا تعودُ النِّسوة لبيوتهن إلا في وقتٍ متأخر جدًّا، الأمر الذي يُضيعُ الواجباتِ الأخرى.

 

 ويوم العرس يومٌ مأسوف عليه، فلا الصلاة فيه خاشعة، ولا العبادة تامة (بسبب كثرة الواجبات وضيق الوقت)، ولا الالتزام محمود، فقد تَطلِي النسوة أظافرَها وتلوِّنُ وجهَها، فلا تتمكن من الوضوء، أو تنتفُ حواجبَها، وهذا حرامٌ، ويُستهتَر يوم العرس بالحجاب، فبعد الانتهاءِ من الزينة في الصالونات تَرمِي النساء غطاءَ الرأس على شعرها رميًا، لكيلا تفسُدَ التسريحة، وتخرُجُ إلى الشارع في طريقِها إلى الحفل، وقد يميل غطاؤها هكذا أو هكذا، فيظهر "مكياجها" وقد يبدو لونُ شعرِها، وقد تتعطَّر فيشَمُّ الرجال ريحها، أو يزيح الهواء ملابسها فتظهر ساقها أو يدها، وقد تلبَسُ العباءات المبالغ في زخرفتِها وزينتها.

 

والأسلمة تكون بالثياب:

وإذا كانت صاحباتُ الدعوة ملتزماتٍ، ويلبسن ثيابًا ساترة، فمن ضيفاتِهن مَن لا تكون كذلك، فتلبَسُ الضيِّق والشَّفَّاف، وما لا يرضاه الله، ولا يستر العورة، فتظهر الساق لما فوق الرُّكْبة، أفلا ينبغي إلزامُها بلبس عباءتها سترًا لعورتها؟ وحفاظًا على سلامة "العرس الإسلامي" من المخالفات؟!

 

في كل عرس تتكرَّر هذه الطقوس وبنفس الترتيب:

(يجتمع الناس، فتبدأ الزفَّة ويعلو الصوت، وتظهر العروس ببدلتِها البيضاء الثمينة وطرحتها المزركشة الغالية حاملةً باقةَ الأزهار، وتمشي الهُوَينى في ممرٍّ طويل والورود تُرمَى عليها...)، لقد صارت برامج الأعراس موحَّدة ومعادة ومكرورة، وصارت فاترةً، فلماذا لا نُغيِّر فيها قليلاً؟

 

فباقة الأزهار في رأيي تَلْبكُ العروس وتُعِيقُ السلام عليها، ومشيُها الهُوَينى بطيءٌ جدًّا وممل، والطرحة تقيِّد الرأس وتمنعُه من الحركة والالتفات، ثم ألا ينبغي أن نسعى لأسلمة هذه الطقوس، لتكون أعراسنا متميزة بحقٍّ عن أعراسهم؟

 

مثلاً: لماذا نتمسَّك بالبدلة البيضاء؟ ماذا لو جعلناها ذهبية اللون؟ أليس تغييرًا جميلاً؟ ولماذا نهتم بقالب "الكاتو" المتعدد الطبقات؟ ما المشكلة لو كان طبقة واحدة؟ إنهم يصنعونه فقط ليقطعه العروسان - حسب الطقوس المعتادة - ثم لا يأكل الناس منه إلا قليلاً؟ فما فائدته إذًا؟ لقد صار من الإسرافِ المنهي عنه.

 

مثال آخر: ألا تُذكِّركم (الطريقة التي تحمل بها العروس باقة الأزهار ومشي الهُوَيْنَى الذي تمشيه) بالكيفية التي تدخل بها العروس النَّصرانية من باب الكنسية؟ ومثلها الوقوف على الشرفة ورمي الورود على الناس؟

 

لماذا لا تقف العروس عند باب الحفل وتستقبل الناس بنفسها؟ ولو أنها دارت بين النساء وحيَّتْهن ورحَّبت بهن، واحتَفَت بحضورهن لكان خيرًا لها وأفضل من الجلوس على الكرسي كل الوقت، واقترابُها من ضيفاتِها فيه ذوقٌ ولطف، ويتيح لكل مدعوَّة رؤيتها عن قرب والمباركة لها والسلام عليها.

 

من الأسلمة - أيها المسلمون - تركُ التشبُّه بالآخرين، فتراثُهم مختلفٌ، ودينُهم منحرف، وقِيَمُهم لا تماثل قيمنا،لماذا لا نبتدع طقوسًا أخرى توافق هوانا وتتماشى مع عاداتنا؟ ولماذا لا نستخرج أشياء من تراثنا نحن المسلمين؟

 

والمشكلة أن هذه الطقوس المستوردة تكلِّف غاليًا؛ فالناس يميلون للتميز ويحبُّون التفرد، ولأن طقوس الأعراس متماثلة لم يعُدْ لهم ما يتميَّزون به سوى التَّرَف في هذه الطقوس والمغالاة فيها، والتنافس في الإنفاق، وهذا الإسراف مكروه، وفي موضع لا يحبه الله ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيتسابق الناس لطباعة الكروت المبتكرة (وهي ستُرمَى)، وللكوشة الأغلى (وقد لا تكون الأجمل)، وللذهب الأرقى (وهذا ينخفض سعره؛ لأن قيمة صياغته أكثر من قيمة الذهب فيه)، وللطرحة آخر موضة، والبدلة البيضاء للمصمم المشهور (مع أنهما يلبسان مرة واحدة في العمر)، ويدفعون في صالون الشعر مبلغًا كبيرًا، فقط لأن الزبونةَ عروسٌ (من أجل ساعات معدودة)، ولو كانت زبونة عادية لأخذوا منها عُشر المبلغ.

 

أيها الناس، دعونا نتعاون على أسلمة هذه الطقوس، واستبدال الخبيث منها، اشحذوا أذهانَكم، وأظهروا إبداعكم، وأخرجوا طقوسًا حلوةً توافقُ شريعتنا وتُسعِدنا في أعراسنا، وستجدون بالتأكيد ما يُبهِجُ.

Comments ()

أيتها المربية الفاضلة:

احرصي على الطاعة والانضباط (وعلى خضوع ابنك لسلطة والديه):

"الإنسان الواعي الفاهم" يَحترِم المسنَّ والكبير، ويُقدِّر ذا المكانة، ويقبل الخضوعَ لمن هو أعلى منه في الرُّتبة، ويكون مُنضبِطًا؛ إنه يعلم أن الناس مقامات، وعليه أن ينصاع لرئيسه، والوالدان هما الرئيس الأعلى للابن؛ فعليه "خفْض الجناح لهما"، و"خفض الجناح" مرتبة عالية تلي الإيمان، وإن لم يتعوَّد الصغير على الخضوع لوالديه بالطاعة فلن يخضع لأحد، والخضوع للسلطة أمر مهم جدًّا؛ لما جاء في الحديث الصحيح: ((اسمعوا وأطيعوا ولو استُعمِل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة))، ومن لم يتعوَّد الطاعة والانضباط في صغره، شذَّ عن الجماعة في كِبَره، وقد يخرج على الإمام، وهذا أمر خطير.

أيتها المربية الفاضلة:

هل تعرفين لماذا يتمرَّد أولادنا على نصائحنا؟

هل تعلمين لماذا نفْقِد احترام أولادنا لنا؟

هل تعلمين لماذا استشرى الفساد وكثر العقوق؟

كل هذا سببه عدم وجود السلطة، وشعور الأبناء بأنه لا مرجِع لهم يَحترمونه فيَستشيرونه.

فكوني أنت السلطة وأنت المرجِع، تملَّكي ابنك فلا يَزيغ منك أبدًا، وإذا صدف وجرَفه التيار -دون عِلمك - وحاد عن الحق، سَهُل رجوعه وعاد إليك راضيًا قانعًا.

خضوع ابنك لسلطة أعلى - هي والداه - شيء أساسي وضروري جدًّا في عملية التربية؛ ولذلك قالوا قديمًا: "إن الله لَيزَعُ بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".

والصغير ضعيف - مهما بدا قويًّا - ومقلقل - وإن بدا واثقًا - ولأجل ذلك كثيرًا ما يحتار ويتردَّد: "كيف يَسلُك؟ وهل يفعل هذا الأمر أو يَمتنِع عنه؟"، فينظر إلى والديه مُستفهمًا، أو يُقدِم على الأمر وينتظر ردَّة فِعْلهما، والولد في هذه المواقف يتوقُ إلى التوجيه ويسعد بالنصيحة.

ومهما كان الصغير مشاكسًا تبقى ثِقتُه في أهله كبيرة، فينتظر رأيهم، ويحب الحزم ويَسعد بالحسم، ويسره أن يَضبِط والداه سلوكه ويحدَّا من طيشه، أي الابن يَثِق بأهله بالفطرة، ويُسعِده الانصياع لهما، ولهذا فائدتان:

1- يرتدع عن الخطأ ويتعلَّم الصواب.

2- يشعر بأهميَّته عند أهله وبحرصهم عليه.

فحافظي على هذه الفِطْرة (الثقة والانصياع)، واستثمريها في تربيتِك لابنك تُفلحي وتنجحي، ولكن من الناس من يُهمِل هاتين الناحيتين، ولا يُعطيهما حقَّهما، ويترك ضبْط أولاده، فإذا كَبِروا وظهر فسادُهم لم يَعُد ينفع فيهم نُصْح ولا توجيه.

ومن ترَك أولاده هملاً فلن يحترموه ولن يُقدِّروا تضحياته، وقد يخرجون عن طاعته، فيخسر برَّهم، ويتسبَّب في عقوقهم (لا قدَّر الله)، فلا تسوقي ابنك إلى الاستغناء عن بُعْد نظرِك وعُمْق تجارِبك، ولا تدفعيه إلى الاستخفاف بشخصيَّتك، بل أعينيه على تقديرك وبرِّك.

ولا تظني صغيرك سيصير يومًا أفقه منك وأنضج! فأنت أيتها المربية - مهما كانت ثقافتك وبيئتك - أعلم من طفلك، ومهما كَبِر وخبَر الحياة فإن خبرتك أكبر، ولو تعلَّم ابنك وحمل أعظم الشهادات، فإن ذلك لا يجعله أكبر منك سنًّا ولا أوزن مقامًا، ومهما تغيَّر الزمن وتبدَّلت الأعراف، فإن القيم والمبادئ والدين لا تتغيَّر، وسيبقى للأم مكانتها وقدْرها وعلوُّ شأنها، ويبقى احترامها وتقديرها وبرها قائمًا على مدار الزمان، فاهتمي بتعزيز هذه المفاهيم من الصغر (وكررتُ هذا الكلام لأهميته فاعذريني).

إن الطريقة المُثلى لتربية الانضباط تَكمُن في أمرين مهمين جدًّا:

أولاً: وضْع قواعد ثابتة واضحة، وقوانين منطقيَّة (فلا مجال لخَرْقها).

ثانيًا: سلطة قوية تَضمَن التزامهم بالقوانين، وتكون مرجعًا لهم حين تَلتبِس الأمور عليهم.

وإليك الشرح والتفصيل:

قلنا: "أولاً وضْع قواعد ثابتة واضحة، وقوانين منطقيَّة"؛ لأن الإنسان بحاجة لقوانين تضبطه، (والحرية الكاملة للمجانين)، و"الرجل" الكبير يُدرِك أبعادَ الأمور، ورغم ذلك يحتاج لقوانين تَضبِط سلوكه (في البيت والعمل والشارع)، فكيف بالصغير الذي يَعجِز عن الإدراك؟

والمفروض أن يتعلَّم الصغير كبْحَ رغباته، والالتزام بالنظام، فالدنيا هكذا: (الإشارة الحمراء تُوقِف المستعجِل، وموعد المدرسة يُوقِظ الطالبَ المُستغرِق في النوم، والصلاة تؤجِّل أيَّ نشاط آخر)، وعلى الإنسان أن يَنصاع لهذه القواعد شاء أم أبى، وأن يلتزم بالقوانين ولو بغير رغبتِه؛ لأن منفعتها أعظم من مشقَّتها، وعاقبتها خير وأبقى.

وأقصد بالقوانين تلك التي ترتبِط بالدين والقيم والأخلاق والذوق، وسأضرب مثالاً لكل واحدة من هذه الأربعة: لا يكذب أبدًا، لا يأخذ ما ليس يَملِكه إلا بإذن صاحبه (حوائج إخوته الخاصة)، لا يَسُب ولا يُفحِش في القول، لا يخرج من باب الدار بلا عِلْمك، ويلتزم الهدوء إذا نام والده.

وكوني صارمة في أمور السلامة العامة، (فلا يتسلَّق إلى الأماكن العالية، ولا يلعب بالكبريت)، ويَلحقها الصرامة في الآداب الاجتماعية، وفيما يَخُص النظافة والترتيب، فاجعلي للبيت بضعة قوانين لا يُمكِن خَرْقها ولا مخالفتها مهما كان، وعليه الانصياع للمسموح والممنوع (ولو كان أمرًا بسيطًا)، مثلاً: لا يُدخِل أي طعام إلى غرف النوم، يُنظِّف أسنانه قبل المبيت، يدخل إلى فراشه في الوقت المحدد، يجلس إلى المائدة وقت الغداء، ويُشارِك العائلة الكلام والطعام، (ولكل أم رأي في إدارة بيتها، فضَعِي ما شئتِ من القوانين، واختاري ما يتناسب مع شخصيتك وظروفك).

ولا تقلقي على ابنك ولا تحزني عليه من مشقَّة الالتزام بالقوانين؛ فالخضوع للسلطة فِطرة لدى الناس الأسوياء، والطاعة - لدى الصغير - عمليَّة لا تفكير فيها، ومع الأيام تصبح عادة عنده، وقد يتذمَّر من بعض الأوامر وقد يَمتعِض، على أنه سيتقبَّل أكثرها ولن يتضايق منها أبدًا، جرِّبي وسترين كيف سينصاع لك ولدك، وسيضبط نفسه عن طيب خاطر، بل لو أشفقتِ عليه مرة وسمحتِ بخرق القانون لن يقبل هو بهذا وسيُصمِّم على الالتزام به!

وليس في هذا أي ظُلْم للطفل؛ فقد جاء في كتب (علم النفس) أن الصغار يستطيعون أن يتعلَّموا - وفي سن مبكِّرة - ألا يكذبوا وألا يسرقوا وألا يتشاجروا، والقوانين الواضحة تُشجِّع على الانصياع، وتريح الصغير وتُيسِّر التعامل بينكما، وتُسهِّل عليه إرضاءَك، والتزامه بالقوانين تلك سيجعله متميزًا، وذا صفات راقية وهمة عالية، وسيثير إعجاب الجميع.

وإن الطفل الصغير لن يَنضبِط إلا إذا احترم والديه، وقدَّر فضلهما، وشعَر بسلطتهما وقوتهما، ولن يَحترِمهما ويُقدِّرهما إلا إذا فرضنا عليه بضعة أشياء، وهي أشياء سهلة بسيطة غير معقَّدة، هي من الأدب، والإسلام يَحُث عليها، وها هي بعض الأشياء المطلوبة من الصغير والتي لا يُمكِنه خرْقها إلا في حال الضرورة القصوى:

1- الصغير لا ينادي والديه ليكونا بين يديه، بل يأتي هو إليهما بنفسه حين يحتاجهما (إلا إن كان في مأزق).

2- لا يمشي أمامهما، ولا يدخل المكان قبلهما، ولا يبدأ طعامه دونهما، ويستأذن قبل الدخول عليهما، ولا يَقطع حديثهما.

ولا يتباسط معهما فينادي أمه باسمها، أو يَمزَح كما يمزح مع صديقه فيدفعها بيده.

3- لا يتكلَّم عنهما باستخفاف، ولا يُقلِّل من شأنهما في حضورهما أو غَيبتهما، وبعض الأمهات تَظنُّه خيرًا فتوحي لصغيرها بأنه ذكي وكبير وحكيم، وقد بلغ مبلغ الرجال وصار صاحب رأي، وبالمقابل هي ليست كذلك؛ لأنها لم تتعلَّم في الجامعات، ولأنها أنثى ضعيفة وتَنقُصها الرويَّة والحكمة، ولا تستطيع أن تكون قوَّامة على ابنها الذَّكر، والأم تفعله لبعث الرجولة في ابنها، ولمساعدته على التعقل، ولكن هذه الطريقة خاطئة؛ لأنها توحي للصغير بأنه أقدر من أمه وأفهمُ، فتسقط أمه من عينه، ويَقِلُّ شأنها في نظره، فيتطاول عليها، ويضحك من نصائحها، ويُعيِّرها بالجهل، وتكون وكأنها علَّمته العصيان، وشجَّعته على التمرد، وهيَّأته ليكون عاقًّا.

فإياكِ ثم إياك أن تُقلِّلي من شأنك أمام ابنك؛ إذ يجب أن يَثِق فيك وبرأيك وبحكمتك، وأن تكوني وأباه مرجعه في المشورة والسؤال، وصحيح كونكما بشرًا، وقد تخطئان وأنتما من زمن غير زمنه، إلا أنكما في النهاية والداه ومربِّياه، والله أمَره ببركما وطاعتكما، فأبقيا لنفسكما هذه المكانة؛ لتستطيعا ضبْطه وردْعه ولجمه عن طريق السوء، وإيقافه عن المنكرات.

وصحيح أنك أنثى، إلا أن الله رفَعك فوق ابنك، والأم تكون قوَّامة على ولدها، ووصيَّة عليه، ومربِّية له، فلا تتركي هذه المهمة أبدًا، وإنك إن قمتِ بهذا ملكتِ ابنك، وضمِنتِ الخير له في الدارين، وهذه القاعدة تَكفيك عن قراءة هذا الكتاب لو طبَّقتِها، وتكفيك عن قراءة كتب التربية كلها!

4- لا يَقُلْ لكما: "أف"، (أو ما يُعادِلها من الكلمات) مهما كان السبب، فإنْ قالها ازجريه فورًا، ولا تسكتي عنه أبدًا، فهذا مما جاء النهي عنه في القرآن، وإياك أن تتهاوني؛ لأنه صغير لا يفهم، أو لأن ذلك حلو منه ولطيف، أو لأنك مُتعَبة أو مشغولة وستؤجلين التأديب لوقت تكونين فيه أفضل، إن العلاج لا يتطلَّب منك الآن إلا بضع كلمات، فقولي له: "الأم لا تُخاطَب هكذا، تكلم معي بأدب"، قوليها مهما كانت ظروفك، فإن أهملتِها الآن خرج الأمر من يدك بعد سنوات وجنيتِ عاقبة ذلك.

5- الابن لا يرفع صوتَه على صوت أمه أبدًا، فإن فعَل نبِّهيه بصوت منخفض وبلهجة حازمة، (اللهجة الحازمة تكون: بكلمات قليلة وبطيئة مع الاتكاء على الحروف، وأيضًا: إعطاء المعنى حقَّه من خلال النظر الثابت الثاقب، ومع حركات اليد والوجه الصارمة المناسبة للموقف)، ولا تسمعي للصغير، ولا تستجيبي له حتى يهدأ تمامًا، ويَغُض من صوته.

6- وإن تطاول عليك بالسلوك، فرمى الأشياء على الأرض بقوة ليُعبِّر عن غضبه، أو أمسك تحفة كنتِ قد نهيتِه عن الاقتراب منها، أو ضرب الأرض برِجْليه... فإياك أن تدعيه يُتابِع، واستعملي لهجةَ الحزم نفسَها مع قولك: "كفَّ عن هذا".

ولا تقولي: "زوجي عصبي وابنه مثله!" فهذا خطأ، والصغيرُ يُقلِّد أباه وليس عصبيًّا بطبعه، والعصبية أكثرها مُكتَسب، والكبير مرفوض منه التعصُّب والغضب (ولو كان له ما يُبرِّره)، فكيف بالصغير الذي لم يرَ شيئًا من الحياة؟ إنه يختبر أهله ويتدلَّل عليهم لينصاعوا له، فإياك أن تستجيبي، وإلا جعل من كل شيء سببًا يتمرَّد من أجله ليحصل على مبتغاه.

والعلاج في أن تُظهري الغضبَ على وجهك، وتمسكيه بقوة من ساعديه وتنظري في عينيه، وتهزيه بقسوة، وأن تقولي له وبمنتهى الهدوء والصرامة: "أنا لا أسمح بهذا السلوك أبدًا، وإياك ثم إياك أن تُكرِّره"، كوني جادة، وسترين كيف سيخاف، ولن يعود لمثله، وإن عاد كرِّري العملية ذاتها، وكلما كان صغيرًا كان أسرع استجابة، وكان العلاج ذاك ناجعًا.

7- وينبغي أن يُطيع الصغيرُ أيَّ أمرٍ يَصدُر من والديه بلا جدال، ولا ضير - حين يَكبَر قليلاً - في أن يَستفسِرَ أو يُناقِش، شرط أن يكون مهذَّبًا في الأسلوب، وخلال كلامه معك احتفِظي بدرجة الأمومة التي وضَعها الله بينك وبينه، لا تَسمحي له أن يتطاول عليك أو يلومك، بل يُبدي اعتراضه بأدب، ثم يسمع ردَّك عليه، وإذا لم يُجدِ اعتراضه فعليه الانصياع؛ فالسمع والطاعة - في غير معصية - في المنشط والمكرَهِ من صفات المسلم.

8- عوِّدي صغيرك على استشارتك في كل أمر يَعرِض له، فلا يأتيك قائلاً: "أعطيني نقودًا لأني سأشارك في رحلة المدرسة"، بل يأتيك سائلاً مستفتيًا: "ما رأيك يا أمي هل أُشارِك الطلاب في الرحلة؟"، فرأيك مهم في حياته، وليتعوَّد أنه يعيش مع عائلة، فلا يتصرَّف إلا بمعرفتها وموافقتها، ولا تظني الاستشارة تَمحَق الشخصية وضد الرجولة، وإنما هي منها، ومن يعيش أصلاً بلا استشارة؟ ولو لم تَسبقي وتكوني مستشارة لابنك لصار رِفاق السوء مستشاريه وقُدوتَه.

♦    ♦     ♦

 

والمسلم ينصاع ويُطيع، ولكن لا يكون إمَّعة، فعلِّمي ابنك ألا يستجيب لما يُخالِف الشرع من الأوامر، وألا يخضع لأي عُرْف، ولا يسمع للعادات والتقاليد أن تُسيِّره كما تشاء، وإنما يَستنكِف عما ينافي الإسلام والمروءة منها، ويَستبعِده من حياته.

الخلاصة: يجب أن ينظر الصغير إلى والديه بعين الإجلال والاحترام والتقدير، ويتقبَّل قولهما ونُصْحهما بقلب كبير وسَعة صدر واهتمام، ويكون حريصًا على برهما وحُسْن معاملتهما، ويُطيعهما في كل أمر حلال.

هذا بالنسبة لـ: (أولاً: القواعد والقوانين).

وأما "ثانيًا: سلطة قوية تَضمَن التزامهم، وتكون مرجعًا لهم حين تلتبِس الأمور عليهم"، فأقول للأمهات:

"الانضباط" بالذات لا يتعلَّمه الطفل وحده (بلا تنبيه)، ولا يتعلَّمه من خلال التجرِبة الذاتية؛ (أقصد يُجرِّب الصغير العصيان ويُعاني من عواقبه، فيَعرف قدرَ حِكمة والديه)، وإنما يكون بالإجبار والقهر، ويأتي بالتدريب والتعويد، ويحتاج إلى سلطة قويَّة لينصاع الصغير.

فإياك إياك ألا تضبطي ابنك؛ فعدم الضبط يعني تربية بذور العقوق، وهذا سيعُود عليك بالسوء في الدنيا، وستندمين - لا سمح الله - حين لا ينفع الندم، وسيعُود على ابنك وبالُه في الدنيا؛ (لأن عقوبة العقوق معجَّلة)، وفوقها لن ينجو من عقاب الآخرة، فإذا كنت تحبين ابنك حقًّا: "اضبطي سلوكه ببعض القوانين"، وبذلك تُربِّين في داخله قيمًا كبيرة: "البر، الانضباط، الطاعة، الاحترام، الوفاء"، وسينمو معهم الحسُّ السليم، وهذه القيم ستَحميه من الداخل: "من نفسه، وتحميه من شهواته، وتحميه من رُفقاء السوء"، وهي - إن شاء الله - كافية جدًّا ليبقى دائمًا على الصراط السوي.

كيف تجعلين ولدك مطيعًا وملتزمًا بالقوانين التي سبق وضْعها؟:

1- بكِّري في أمره ونهيه، وكوني حازمة:

ابدئي تطويعه للقوانين منذ الأشهر الأولى (ولا تؤجِّلي)، أرأيت لو أمسك طفلك مسمارًا حديديًّا وأدخله في قابس الكهرباء، ما كنت فاعلة؟ كنت ستمنعينه بكل قوة خوفًا على حياته، وتُصرِّين على ضرورة التزامه بهذا القانون: "الامتناع عن لمس قوابس الكهرباء، مهما كان السبب"، وكذلك افعلي بقضايا احترامك والانصياع لسلطتك والانضباط بقوانينك، فكما أن القانون الأول مُهم لسلامة ابنك، ومهم لبقائه على قيد الحياة، فالقانون الآخر مهم جدًّا ليعيش ابنك حياة صحيحة ترضي الله، فيُوفِّقه في رزقه ومعاشه.

وستسألين: كيف أطوِّعه للقوانين؟

والجواب: "منذ نشأته الأولى مُرِيه وعلِّميه تنفيذ الأوامر"، مثلاً حين يبدأ بالعبث بأغراض البيت ويمسك التحف قولي له: "لا"، سينظر إليك ليَدرُس تعابير وجهك، كوني جادة وكرري: "لا"، بعض الأطفال لا يفهمون، أو يحبون التمرد، فكرري الأمر، اضربيه ضربة خفيفة على سطح كفه ليَفهم، وهكذا، اتركي التحف في مكانها، واستمري في منْعه من مسِّها، وستُدهِشك استجابته، وكلما كَبِر ازدادت الأوامر والقوانين الثابتة "علِّق البيجاما خلف باب الحمام قبل ذَهابك للمدرسة، وحين تعود ضَع ملابس المدرسة داخل الغسالة"، وأمثال هذا، لتكن أوامرك الآنية واضحة جليَّة، مثلاً: "أعطني الملعقة"، "ضع الحليب في الثلاجة"، وهكذا يَفهم ويُنفِّذ.

والمطلوب منه أيضًا: لا يضربك، ولا يصرخ في وجهك، ولا يقول: "لا" لأمرك.

2- قللي كلمة: "لا" قدر الإمكان:

القوانين أمر مفروغ منه في حياة الصغار (والكبار)، والسلطة المرجعيَّة ضرورية جدًّا فينبغي أن يُشاوِر الصغيرُ والديه قبل إقدامه على أي أمر، ثم لا يفعله إلا بعد صدور الموافقة، وخلال الحياة اليومية سيحتاج الصغير لإذن منك في الأشياء (التي لا تشملها القوانين التي سبق وربَّيته عليها)، ونصيحتي أن تُوافِقي على أغلبها، وتقللي كلمة: "لا" قدْر الإمكان، أعطي ابنك الحرية الكاملة في البيت ما دام لا يؤذي نفسه ولا يخرب المتاع؛ (أي: امنعي ما يؤذيهم أو يؤذونه)، فماذا يَضرُّك لو حمل لُعَبه إلى غرفة الجلوس أو للمطبخ؟ الطفل يفعلها ليكون بصحبتك، فاسمحي له بالتنعُّم بقُرْبك، وماذا لو اتخذ قرارًا بعدم الذَّهاب إلى المدرسة في اليوم المفتوح؟ أو قرَّر شراء علبة ألوان فاخرة من مصروفه؟

وأنا أنصح بأن تُعطي صغيرك مساحة حريَّة كبيرة في هذه الأشياء الأخرى (التي لا تَشملها القوانين)، مثلاً اجعلي لهم غرفة للعب يفعلون بها ما شاؤوا، اسمحي لهم باستقبال أصدقائهم في البيت، ودعيهم يأخذون حريَّتهم أثناء النزهات العائلية فلا تُقيِّديهم بقولك: "لا تتسلَّق الشجرة، لا توسِّخ ملابسك"، باختصار: لا تُفسدي عليهم متعتَهم، دعيهم يَنشطون، وراقبيهم من بعيد، وكم أفسد علينا أهلونا - ونحن صغار - متعتنا، وكم حرَمونا من اللعب اللذيذ خوفًا على اتساخ ثيابنا، أو تَعفُّر أيدينا بالتراب، ويحرِموننا اللعب ثم لا يُعفوننا من الاغتسال حين نعود، ويطلبون منا نفْضَ ملابسنا بعناية، ونقْعها وفرْكها قبل وضْعها مع الغسيل (ولمَّا نلعب بها)! فلا هم تركونا لنسعد في النزهة، ولا هم رحمونا من تَبِعاتها من الاغتسال وعمليات التنظيف.

قلِّلي من كلمة "لا"، وفكري جيدًا قبل قولها، ولكن إذا صدرت منك كلمة "لا" يحسم الموضوع على الفور، وعلى الصغير الطاعة، ولا مجال للخيار مُطلَقًا، ولا تنازلات، ولا مساومات؛ ولذا فكري جيدًا قبل التفوُّه بكلمة: "لا".

كانت هذه هي الخطوات الضرورية لتربية الانضباط، وبقيت بعض التنبيهات:

1- لا تُغري صغيرك بالحوافز والهدايا، هذا خطأ، وطاعة الوالدين غير مشروطة.

2- أبعديه عن أفلام العنف، وحروب السيطرة على العالم، والتنافس على القيادة؛ خوفًا من تأثُّره بها.

3- أحيانًا ستحتاجين للقاعدة الصارمة: "نفِّذ ثم اعترض"، فاتبعيها، ولا تتبعي غيرها؛ أي لا يمكن أن نُقنِع الطفل بكلِّ أمر نوجِّهه إليه، ونُبيِّن له الحكمة منه، ولا يمكننا أن نشرح لأطفالنا عن السر وراء قوانيننا، فينبغي عليه الطاعة دون معرفة الأسباب.

4- لا تُناديه أو تأمريه بعمل ما، وهو مُنسجِم بشيء مُمتِع له، واتركيه ليَفرُغ منه، فيكون مستعدًّا أكثر للانصياع.

أي لا تكوني قاسية مع صغيرك في ضبْطه، فتوصليه إلى مرحلة (اللامبالاة)، فلا يَهتم بك ولا يخاف من العقاب، أو ينصاع ويَنضبِط في حضرتك ويُخالِف في غيبتك، فهذا خطير، بل كوني لطيفة، وقدِّري ظروفه، وراعي أحواله، ولا أقصد أن تُعفيه من الانضباط، وإنما اختاري أحسن الأساليب لتطويعه.

5- ولا تكن لهجتك دائمًا آمرة، بل اجعليها لطيفة في بعض المواقف، مثلاً: هل أنت جائع؟ ما رأيك نأكل؟ فليست العلاقة بيننا وبين أبنائنا أمْرًا ونهيًا، وإنما هي في الأصل أمومةٌ وحب، وولاية على هذا الصغير الضعيف، وتوجيهه للخير، ودفْع الشر عنه.

6- وإذا بدأ طفلك يُشاكِس، قولي بصرامة وبهدوء وبلهجة الواثق جدًّا، وبصوت خفيض: "قلت لك: افعل هذا"، وتَشاغلي وكأنكِ متأكِّدة من انصياعه، ولا تفرحي بمُشاكستِه، وتظنيها من علامات الرجولة؛ فالرجولة ليست في المشاكسة والمشاغبة، ولا في التمرد والعصيان وشقِّ عصا الطاعة، إنها في الانضباط والفَهْم، ولا يجوز للمسلم الاعتراضُ على الوالدين أو الإمام العادل أبدًا، وإنما "الرجولة" في كلمة حق عند سلطان جائر، والرجل لا يخاف في الله لومة لائم فقط أمام الظلمة وعند إحقاق الحق، أما لدى والديه (وأمام المؤمنين) فيكون ذليلاً خافضًا جناحه.

7- فإن وصل صغيرك لسن العاشرة ولم يتعوَّد الانضباط والطاعة، احتجْتِ لحرمانه من بعض الأشياء العزيزة على قلبه (ليتَّعِظ ويترك المشاكسة)، فعاقِبِيه بصرامة ولا تُشفِقي عليه، ولا تبالي باعتراضاته، وإلا فقدتِ السيطرة عليه إلى الأبد.

♦    ♦    ♦

 

وما أجمل الطاعة والانضباط لو رافَقهما الأدب، فإذا أمرتِ ابنك بشيء قولي له: "لو سمحت، افتح الباب"، "من فضلك، اسقني كوب ماء"، ولا يعني هذا أنه بالخيار إن أراد انصاع لنا وإن لم يُرِد تَمرَّد، لا وإنما هذا تدريب وتعويد له ليكون كذلك مع الآخرين، ومعنا نحن - والديه - بشكل خاص، أما لو كان الأمر يَخُصه (كأن يكتب واجبه أو يُنظِّف أسنانه)، فلسنا مضطرين للتأدب معه؛ (لأن هذا واجب عليه).

وإذا لم ينصَعْ لك صغيرك طفلاً وأنت الأقوى والأقدر والأعقل فمتى سينصاع؟ وبماذا ستَضبطينه حين يُراهِق؟ فابنك يَكبَر ويتقوَّى وأنت تكبرين ويَضعُف جسمك، وقد يتطاول عليك، فأنت بحاجة لهذه السلطة لتَسهُل عليك تربيته، ولتوقفيه عند حده إذا تجاوزه، ولتبعديه عن الحرام، ولتجعليه رجلاً حقيقيًّا.

القاعدة: أنت تتَّخِذين القرار وتأمرين وهو يُنفِّذ، هذا الشرع، وهذا البر، وهذا الأدب، وهذا الخُلُق.

وإذا ملكتِ السلطة على ابنك، فإني أَعِدك بألا يُشاكِسك أثناء مراهقته، وستَسلَسُ تربيته وتوجيهه.




Comments ()
الصفحة 1 من 2

الأكثر قراءة هذا الشهر

جديد المقالات

  • حقيقة النصر بين المفهوم الرباني والمفهوم الإنساني (سورة البروج نموذجًا) >

    يقف الإنسان اليوم بكل ما أوتي من قوة الحضارة المادية والرفاهية الاقتصادية وما أتيح له من كل الإمكانيات التي جعلت العالم بأسره يتنقل بين قاراته ومجرياته بضغطة زر وهو على أريكته بل وعلى سرير نومه، يقف أسيرًا للمعطيات المادية فيحتكم إليها بل وليكوّن تصورًا عن مجريات الكون وأحداثه حسب ما تقدمه الحضارة المادية له من أسباب فيعيش في إطار ضيق المزيد...
  • لكي يكون تغييرك في الاتجاه الصحيح اتبع قواعد التغيير العشر >

    الآن وقد قارب عام جديد على البدء، يسعى الكثير منا للتغيير سواء في أهدافه المادية والمعنوية أو في ظروف حياته أو علاقاته... إلخ. فما هي أفضل وسائل وطرق التغيير الذي يكون للأحسن وفي الاتجاه الصائب؟ في هذا المقال نعرض أبرز عشر قواعد للتغيير مع ذكر الاستراتيجيات التي يمكن اتباعها لتنفيذ تلك القواعد بنجاح: 1. التغيير عملية معقدةلتحقيق أي هدف من المزيد...
  • إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟ >

    الحرية بين الإطلاق والمحدوديةهل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟إنّ الحر حرية حقيقية كاملة، هو الذي لا قيود عليه البتّة، ولا شرط ولا حَدّ، ويجب أن يكون ذا اقتدار واستغناء تام عن أي أحد أو شيء خارج نفسه؛ لأن الحاجة إلى أي شيء خارج الذات سيتنافى مع طلاقة حريتها وتمام استغنائها. فإذا جئنا للإنسان نجد أنه لا يمكن بحال المزيد...
  • 1

شخصيات بناءة

  • واجبنا نحو القرآن >

    سُئل بعض العلماء: أيّة آية تصلح أن تكون عنوانًا على القرآن كلّه بحيث إذا كُتبت على ظهر المصحف كانت تعريفًا كاملًا به، شاملًا لجميع المعاني الكليّة التي يجدها المتصفح فيه كما تُعَرّفُ الكتب الكبيرة بجمل قصيرة؟ فكان جواب هذا العالِم: الآية التي تصلح لذلك هي قوله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[إبراهيم: المزيد...
  • لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها >

    هذا العنوان جملة إن لم تكن من كلام النبوة فإن عليها مسحة من النبوة, ولمحة من روحها, وومضة من إشراقها. والأمة المشار إليها في هذه الجملة أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم, وصلاح أول هذه الأمة شيء ضربت به الأمثال, وقدمت عليه البراهين, وقام غائبه مقام العيان, وخلدته بطون التاريخ, واعترف به الموافق والمخالف, ولهج به الراضي والساخط, وسجلته المزيد...
  • قوة الكلمة >

    في بعض اللحظات لحظات الكفاح المرير الذي كانت الأمة تزاوله في العهد الذي مات. . كانت تراودني فكرة يائسة، وتلح على إلحاحا عني. . أسأل نفسي في هذه اللحظات. . ما جدوى أن تكتب؟ ما قيمة هذه المقالات التي تزحم بها الصحف؟ أليس خيرا من هذا كله أن تحصل لك على مسدس وبضع طلقات، ثم تنطلق تسوي بهذه الطلقات حسابك مع الرؤوس الباغية المزيد...
  • 1

197 زائر، و2 أعضاء داخل الموقع

جديد الأخبار

  • ألمانيا تكثف عمليات ترحيل اللاجئين إلى أفغانستان >

    قال وكيل وزارة الداخلية الألمانية، هيلموت تايشمان إن بلاده "قلقة" إزاء تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى إسبانيا، لافتا في الوقت ذاته إلى أن برلين تعتزم تكثيف عمليات ترحيل اللاجئين لأفغانستان. وقال تايشمان، في تصريحات لصحيفة "بيلد" الألمانية واسعة الانتشار، اليوم الأحد: "نحن قلقون من تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين لإسبانيا، ومتخوفون من أن يتسنى لكثير منهم شق طريقهم إلى المزيد...
  • تفاصيل اعتداء عنصري استهدف أسرتين مسلمتين في كندا >

    أثار الهجوم الإسلاموفوبي الذي تعرضت له أسرتان مسلمتان من أصول فلسطينية وتركية في مدينة تورنتو الكندية، ردود فعل واسعة في المجتمع الكندي. وتعرض محمد أبو مرزوق (39 عاما) الفلسطيني الأصل، يوم الأحد الماضي، للضرب في هجوم إسلاموفوبي، خلال وجوده في منطقة نزهات مع أسرته، ولا يزال يصارع الموت في المستشفى. وقالت زوجته ديانا العطار: إنها وأطفالها لم يتمكنوا بعد من المزيد...
  • قصف روسي مكثف يستهدف عناصر من الدفاع المدني بريف درعا >

    شنت مقاتلات روسية وطائرات ميليشيا أسد الطائفية، اليوم الإثنين، 26 غارة جوية على ريف درعا الشرقي استهدفت قرى وبلدات الحراك وناحتة ورخم والمليحة الغربية والمليحة الشرقية. وأخرجت الطائرات الروسية مستشفى مدينة الحراك عن الخدمة بعد قصفه بشكل مركز،  ما أدى أيضاً إلى مقتل عدد من فريق الدفاع المدني. وذكرت شبكة "أورينت" الإخبارية السورية المعارضة ان عدد الغارات الجوية التي استهدفت المزيد...
  • 1

جديد الفتاوي

  • حجز الأماكن في المساجد >

    السؤال: ما حكم حجز مكان في المسجد بوضع كتاب أو نحوه في الصف الأول أو خرقة معلمة أو كذا؟ الإجابة: الحجر أو التحجر في المسجد إذا كان الإنسان في المسجد فلا بأس، أو تحجر وذهب ليقضي حاجة كوضوء أو شبهه فلا بأس أيضاً. أما إذا تحجر وذهب إلى بيته إلى أهله إلى متجره؛ فإن من العلماء من يقول إن هذا المزيد...
  • قراءة القرآن بالعين فقط >

    السؤال هل القراءة بالعين في مصحف تسمى قراءة ولها شيء من الخير؟ الجواب الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:فقد اتفق الفقهاء من أرباب المذاهب الفقهية الأربعة، على أن القراءة لا تكون إلا بتحريك اللسان.قال السرخسي الحنفي: "فإن التكلم ليس إلا تحريك اللسان وتصحيح الحروف على وجه يكون مفهوما من العباد"(1).وقال أبو الوليد ابن رشد المالكي: "لأن القراءة المزيد...
  • بقايا طلاء الأظفار (المناكير)، وأثره على الوضوء >

    السؤال امرأة على أظافرها مناكير (صبغ) وأزالتها قبل التطهر للصلاة، وبعد يومين تقريبا رأت بعض الآثار باقية على أظفارها، فماذا عليها؟ الجواب الحمد لله؛ يجب في الوضوء والغُسل الإسباغُ، أي: غَسل جميع ما يجب غسله في الغُسل والوضوء، وألا يترك من ذلك شيء، فإن نسي موضعًا من أعضاء وضوئه أو بدنه في الغُسل قبل أن تجف أعضاؤه، غسل الموضع وكفى، المزيد...
  • 1
  • من نحن وماذا نريد
     نحن طائفة من المسلمين يتمسكون بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهديه في أصول الدين وشرائعه. ويدعون للاجتماع عليها مع غيرهم من المسلمين. فيحققون الجماعة بمعناها العلمي من الالتفاف حول منهج النبي وصحبه، والعملي من الاجتماع في إطار واحد يَعصِم من التفرق والاختلاف.   فيفارقون بهذه النسبة الشريفة كل من أحدث في دين النبي بدعًا من الأمر، أو فرّق كلمة المسلمين وشق صفهم. وقد ظهرت التسمية في القرون الثلاثة الأولى لما ظهر أهل الأهواء فخرجوا على جماعة المسلمين بمخالفتهم وبِدَعهم، فأصبح من يُعنى بالسنة واتباعها يُشتهر أمره ويسمى من أهل السنة والجماعة، وسميت مصنفاتهم بكتب ”السنة“. ونحن ننتسب إلى تلك…